اسمه موسى قواسمي، ليس شاعراً، ليس فناناً، ليس فيلسوفاً، ليس عالماً، هو إنسان، لم ألتقِ به بعد وجهاً لوجه، لكني أراه كل يوم ببثه المباشر على «الفيس بوك»، من غرفة غسيل الكلى في أحد مشافي القدس، أو من إذاعة يبوس حيث يقدم مع (أديل) برنامجاً خفيف الظل، هذا الرجل - المدرسة، في كآبتي الممتدة منذ أشهر هو مهدئي اليومي، صوته باستمرار يسكن معي في البيت، يتناول معي الفطور، ويقرأ معي نفس الكتاب.
يجلس صاحب الوجه الطفولي أمام البث المباشر يتحدث مع الناس محبيه وعشاق روحه وأصدقائه، عن مواضيع شتى، ينسجها ارتجالاً أو بتخطيط سريع، كأنه يجلس معك، كأنه صديقك وزميل دراسة ثانوية أو جارك الطيب، الذي يقدم لك العنب من حديقته كل صباح.
في فيديوهات أخرى يظهر موسى وهو يزرع ريحاناً في صالون بيته، وفي رسالة مؤثرة الى أبيه المتوفى يكتب: (يابا يا حبيي وصديقي امبارح كان تاريخ ميلادك وأنا إلي سنتين ما بعتلك رسائل، والله يابا، البيت كان عمران فيكم، انت وإمي، وإنتو ما قصرتوا، معنا بأي إشي، وأهم إشي، بأنك ورثتني أخوات وإخوة، هم اغلى من كل مال الدنيا، وورثتنا الحب والعاطفة لبعض، حتى أحفادك ماشيين على نفس المبدأ والروح الحلوة).
الحب الحب هو عادتك اليومية يا موسى، في بث مباشر آخر يصور أبو الموس، طريقته الرهيبة في عمل ساندويش بيض، طريقته الطفلية القافزة في الاندهاش من مشهد البيض المقلي مع الريحان وشرائح البندورة وحبات الزيتون، جعلتني أقفز فوراً الى المقلاة لتجهيزها.
وفي خطوة مفاجئة أعلن أبو الموس عن عرض مسرحي، يحكي فيه أمام الجمهور قصصاً وحكايا، حضر المئات للعرض، في مسرح الحكواتي، رأيت بعض المقاطع على الفيس بوك، كان موسى فناناً مسرحياً بحق، ضجت القاعة بالضحك والتصفيق، وسال الحب على المقاعد، سألت موسى هل حضر عرضك فنانو القدس؟ تلعثم ولم يجب.(هذه قصة أخرى).
يكرر هذا العظيم جملة: البساطة والروح الحلوة أهم اشي في الحياة، مطبقاً ذلك في حياته وعلاقاته وعمله، لم أسمعه يوماً يتذمر أو يدين أحداً أو يشكو من أذى، لا أعداء لموسى، يعمل كوافيراً نسائياً، وثمة مهنة أخرى هي البساطة والروح الحلوة، كل صباح يهدينا أغاني وورداً وقصصاً، وكل صباح يذكرنا بمرضى السرطان في مشافي القدس، فيدعو الى الإغاثة والتضامن والدعم، عبر بازار نسيج الامل الخيري، ينشر عن سيدات عظيمات مجهولات، يشيد بحكمتهن وتفانيهن، وصبرهن، ثم يتحدث عن ضرورة ان تكون إنساناً فقط بعيداً عن اللون والدين والعرق. وفجأة بعد طول ورد وفرح وأغان، وقصص مضحكة وجمال ومرح، يظهر موسى مجدداً في سرير الغسيل، متعباً قليلاً، يسعل، لكنه ينجح ببراعة في إخفاء ذلك، فيبدو مشعاً بالفرح والأفكار الجديدة، ( يا صباح الخير اليوم بدنا نحكي عن عادات قديمة وحلوة، مش كلها حلوة بس في منها حلوة كثير، معلش أنا بظل أكرر الجمل عشان الناس تتجمع، بدنا نحكي عن عادة خلع الحذاء عند دخول بيوت الناس).
يسال أبو الموس ممرضاً عن هذه العادة، ويخوض نقاشاً معه، ثم يحيي تحايا الأصدقاء في تعليقات البث: يسعد صباحِك يا سميحة، سناء يسعدلي هالصباح، أم عزت الله يسعدك، يتثاءب الطفل الكبير ويواصل: يسعد صباحك ست ريما وهاي انطوانيت، أجت، شو رأيك بالموضوع أنطوانيت؟. شادي شو وضعك؟
ساعتان من الغسيل، يغسل فيها أبو الموس حزننا، يحوله الى فاكهة فرح. يمضي الى إذاعة يبوس او الى صالون الحلاقة، أو الى بث مباشر من السيارة، ولا نتفاجأ أننا معه في كل مكان.
لماذا أحب موسى؟
لأنني أعيش في زمن بارد، لا بساطة فيه ولا روح حلوة.