تاريخ النشر: 13 تشرين الثاني 2025


آراء
عن أي سلام يتحدثون؟
الكاتب: طلال عوكل

كاذب، أو جاهل، من يتعامل مع خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على أنها يمكن أن تحقق السلام الذي افتقده الشرق الأوسط منذ 3000 سنة كما يدّعي.
خطة ترامب، التي تواجه الكثير من العقبات والمطبّات، وتحتاج إلى كثير من الوقت حتى تصل إلى نهايات غير معروفة وغير مضمونة، قد تشكل تبريراً لحالة الحرب الإبادية، وقد تضع غزة تحت وصاية أميركية أو غير أميركية ولكنها إن نجحت وفق التصوّر الأميركي، أو حتى لو كان التصوّر الإسرائيلي فإنها لا تعني سوى ضبط مؤقت لحالة الصراع على جبهة غزّة.
وعلى الرغم من الدور التاريخي المهمّ الذي لعبته غزّة، ولا تزال تلعبه في سياق الصراع، إلّا أنها لا تشكل سوى نحو 1,5% من مساحة فلسطين، ويشكّل سكانها فقط نحو  15% من تعداد الشعب الفلسطيني، فكيف يمكن إحلال السلام بينما الأغلبية من الشعب الفلسطيني وأرضه لا يزال تحت الاحتلال؟
والسلام بعيد المنال، حتى لو نجح ترامب في توسيع «اتفاقات ابراهام»، لتشمل دولاً أخرى كثيرة أو قليلة للانضمام لـ»السلام الإبراهيمي» المزعوم.
يفرح نتنياهو، لانضمام دولة إسلامية وسط آسيا، لـ»اتفاقات ابراهام»، بالرغم من أن تلك الدولة تقيم علاقات وتعترف بدولة الاحتلال، الأمر الذي لا يعني جديداً بالنسبة لقرارها.
إزاء التعقيدات الهائلة التي تعترض طريق تحقيق سلام حقيقي مستقر، لا أعتقد أن ترامب، في ضوء سياساته المعلنة وغير المعلنة قادر على  تحقيق مثل هذا السلام.
يمتنع ترامب حتى الآن، والأرجح أنه سيواصل الامتناع عن اتخاذ قرار تاريخي حقيقي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ليس فقط هذا وإنما أن يعمل بجدّ وبقوة من أجل تحقيق «حل الدولتين».
إذا كانت أميركا لا تزال تخالف وتناهض قرارات الأمم المتحدة، وما يشبه الإجماع الدولي الذي يعترف بفلسطين، فإن تحقيق السلام سيظلّ بعيد المنال.
يتجاهل ترامب التحوّلات الداخلية الجارية في بلده، والتي تشير إلى انزياح كبير في المجتمع الأميركي، بما في ذلك في الحزبين «الجمهوري» و»الديمقراطي» لصالح القضية الفلسطينية.
لا يمكن لأحد أن ينكر نتائج وتأثيرات حرب الإبادة الجماعية في غزّة على شعبية ترامب، التي تبلغ وفق الاستطلاعات نحو 40%، فضلاً عن مؤشّرات فوز زهران ممداني و38 من أصول مسلمة، في العديد من المناصب المهمّة في عديد أميركا.
لقد سقطت السردية الإسرائيلية، حتى بين أعداد كبيرة من يهود العالم، وسقطت فزّاعة «الإسلاموفوبيا»، وأيضاً سقطت باعتراف ترامب نفسه، فزّاعة ومعايير معاداة السامية، وتراجع دور اللوبي الصهيوني بشكل ملحوظ في السياسة الأميركية بعد أن تراجع في التأثير على المجتمع الأميركي.
دولة الاحتلال تشكل عقبة مهمة في طريق تحقيق السلام، فهي كلها بحكومتها الفاشية و»معارضتها»، ترفض التسليم بالحقائق، وترفض وتناهض القرارات الدولية، بل وتمعن في انتهاكها.
يصرّ بنيامين نتنياهو المطلوب لـ»الجنائية الدولية» على أنه المخلّص، والمكلّف من التاريخ على أن يستلهم ويحقّق آمال وأوهام وهلوسات وهستيريا الصهيونية بشأن «إسرائيل الكبرى»، والهيمنة على الشرق الأوسط.
ويصرّ، أيضاً، على أنه قادر وعازم على فرض السلام بالقوّة، بالرغم مما أصاب هذه القوة من وهن وفشل، في حين يراكم الجوار العربي والإقليمي مصادر القوة الدفاعية والهجومية، لمنع سقوط المنطقة تحت هيمنة كيانه الكولونيالي.
يتجاهل نتنياهو «التسونامي» الدولي الذي اخترق المجتمعات بما في ذلك «الغربية»، الحليفة التقليدية لدولة الاحتلال، والذي يتخذ أشكالاً وتجليات هامة، نحو التحول عن دعم دولة الاحتلال، سواء عبر الاعتراف بدولة فلسطين، أو المقاطعة، أو الملاحقات القضائية الدولية والوطنية لجُناة ومجرمي الحرب الهمجية.
ويتجاهل نتنياهو وفريقه، إصرار مواقع العدالة الدولية من «الجنائية» إلى «العدل الدولية»، إلى «المجلس العالمي لحقوق الإنسان»، إلى حتى منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، يتجاهل ويفتري على هذه المنصّات، ويمعن في محاربتها، بينما هي تواصل حصارها ومطاردتها لمرتكبي جرائم الحرب.
إن كانت قد هدأت آلة الحرب الإجرامية على القطاع، ويمكن أن تستمر بسبب الضغط والسيطرة الأميركية، التي تزداد وطأتها على حكومة نتنياهو، فإنه وفريقه الفاشي، يصعّدون على نحو غير مسبوق في الضفة الغربية والقدس.
الإدارة الأميركية حولت نتنياهو إلى حاكم، فقد جرّدته أخيراً من صلاحية التصرّف، بموضوع المساعدات الإغاثية والإنسانية للقطاع، وتنوي إقامة قاعدة عسكرية في «كريات غات»، بالإضافة إلى مركز التنسيق.
يكاد الحضور السياسي رفيع المستوى لا ينقطع عن دولة الاحتلال، وآخرها وصول جاريد كوشنير لمعالجة أزمة 200 مقاتل من «كتائب القسام»، لا يزالون موجودين في أنفاق رفح.
يضطرّ نتنياهو لأن يبتلع لسانه، بعد أن صعّد في موقفه، إزاء هذا الملف، إلى أن عاد ليدّعي أنه سيعالج الأمر بالتنسيق مع الإدارة الأميركية لكي يُخفي حقيقة أنه رضخ أمام الضغط الأميركي.
ميليشيات المستوطنين تعيث فساداً في كل أنحاء الضفة إذ لم تعد حوّارة، نموذجاً، بعد أن تمّ تعميم هذا النموذج على بقية القرى والمدن والمخيّمات والحواضر الفلسطينية فيها.
يفرح بن غفير ويوزّع الحلوى على زملائه الفاشيين الذين صوّتوا في «الكنيست»، على القراءة الأولى لمشروع قرار بإعدام الأسرى الفلسطينيين. نتنياهو يؤيّد ويدعم القرار الذي حظي بموافقة 39 عضواً ومعارضة 16، منهم النواب العرب، أما «المعارضة» فهي موافقة، أيضاً، من خلال التغيب عن التصويت عمداً حتى يتم تمرير القرار.
التشريعات الإسرائيلية العنصرية لا تتوقّف وكأن السلوك الإسرائيلي كان مكبّلاً قبل إصدار تلك القوانين. إن كانت الذاكرة قد تغيّبت فإن الوثائق والوقائع لا تغيب عن ممارسة الإعدام الميداني، والاغتيالات التي طالت مئات الفلسطينيين بمن في ذلك الصحافيون والمتضامنون، والأطفال، فكيف يمكن تحقيق السلام، في ظل هذا الجهل والتجاهل الخبيث، لحقائق الصراع، وعوامل الممانعة الكأداء، طالما لا تتحقق أهداف الشعب الفلسطيني؟