تاريخ النشر: 13 تشرين الثاني 2025


دفاتر الأيام
أرواحنا وشرفنا في كفة واحدة
الكاتب: سما حسن

أصابتنا في مقتل الشهادات المروّعة التي نُشرت قبل يومين حول تعرّض نساء ورجال للاغتصاب في السجون الإسرائيلية، وذلك بعد اعتقالهم من قطاع غزة خلال حرب الإبادة، وحيث نُشرت بعد الحرب بشهرين تحديداً أخبار مقتضبة ومر عنها العالم مرور الكرام حول تعرض نساء ورجال للاغتصاب، وظلت هذه القضية مسكوتاً عنها حتى عاد الحديث مرة أخرى وفق تقرير موثق أعده المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وقد برزت تفصيلاً قضية امرأة أربعينية من شمال غزة تحدثت عن تعرضها للاغتصاب مراراً على أيدي الجنود، وقد حدث لها ذلك بعد اعتقالها، والغريب ان الاغتصاب الذي تعرضت له قد تعرض له رجال أيضاً وتحدثوا تفصيلاً عما حدث لهم من تفاصيل شاذة تهدف بالدرجة الأولى إلى إهانة كرامتهم وطعن إنسانيتهم. أما شهادة المرأة فهذه وصمة عار في جبين كل عربي وكل مسلم لن تُمحى مهما مر الزمن رغم الصمت الذي يحيط بمن يسمعها ويقرأ عنها، ولكنها طعنة في قلوبنا وإشارة قاصمة لأن هذا العدو قد استوحش وتغول، وأنه يعرف ما معنى الشرف بالنسبة للإنسان العربي المسلم، ويعرف انه يفعل ما يؤذيه نفسياً أولاً قبل أن يلحق به الأذى جسدياً.
شهادة المرأة التي روتها تفصيلاً ودون ان تحذف أدق التفاصيل، جعلتنا نغرق في مرجل من نار الحمية التي تشتعل في الصدور ولا تنطفئ، وكأنك تريد أن تخرج من بيتك لتنتقم لكن لا تعرف كيف، لأن شرف المرأة الذي أُهدر وبطرق شاذة كادت تودي بحياتها لولا عناية الرب التي أشفقت عليها، فقد أنقذت من بين ايدي الوحوش الآدمية حين واتتها الدورة الشهرية، فطلبوا منها ان ترتدي ملابسها وأعادوها إلى الزنزانة.
قبل أيام قليلة شاهدت مشهداً في مسلسل عربي لامرأة تعرضت للاغتصاب من مختطفها وبعيداً عن تفاصيل المسلسل، فقد عادت الزوجة إلى زوجها واطفالها وظلت تبكي لأيام طويلة وترفض ان يلمسها زوجها او حتى ان يقترب منها، حتى قررت في النهاية ان تخبره بما حدث معها، وقد تألم الزوج وبدا ككبش ذبيح وهو يتلوى في فراشه متخيلاً ما حدث معها، لكنه لامها لأنها قررت ان تخبره وقرر ان يطلقها، مدعياً انه لا يطيق ان يلمسها بعد ان لمسها رجل آخر دون شهوة، ولكن بدافع الانتقام والإمعان في إهدار الشرف والكرامة، لكن النهاية المفرحة للأحداث وضعت خطاً جديداً حين قرر الزوج ان يسامح زوجته، تخيّلوا كلمة السماح على جريمة لم ترتكبها الزوجة، لكن الرجل العربي يبقى تفكيره محدوداً في ما يخص شرفه وعرضه، ويصبح رأسه مغلقاً حين تتعرض إماء الأمة للاغتصاب، ويصبح الأمر لا يعنيه ولا يقض مضجعه.
تخيلت تلك المرأة حين تعود إلى عائلتها، لكنني توقعت أنها لن تجد أحداً لكي تبوح له بكل ما حدث لها، لكنها استطاعت أن تتحدث بكل شيء لفريق المركز الحقوقيين، وأعرف جيداً طريقة العاملين في مثل هذه المراكز الإنسانية في التعامل مع حالة تلك المرأة وقدرتهم على تقدير واحتواء مشاعرها، لذلك فقد تحدثت لهم بما لا ترغب ان تتخيله مرة أخرى بينها وبين نفسها، ولأن شهادتها مهمة ويجب عدم الوقوف عندها، فقد ادركت هي نفسها ذلك وقررت ان تتكلم، وأن تزيح ستار الصمت عن أبغض الجرائم التي ارتكبت بحق الفلسطينيين في غزة، إضافة إلى جرائم القتل في السجون وتسليم الجثامين مجهولة الهوية للمستشفيات، وقرار دفن هذه الجثامين التي لم يتم التعرف إلا إلى عدد قليل منها، وحيث دفن الباقي في ما يُعرف بمقبرة الأرقام في مدينة دير البلح وسط القطاع.
ما حدث من حوادث اغتصاب يعادل تماماً ما حدث من قتل للأرواح، لأن الفلسطيني يعرف ان روحه وشرفه في كفة واحدة، لذلك يقوم الجنود بتوثيق حوادث الاغتصاب وإخبار ضحاياهم بذلك، لأن الأذى النفسي لمثل هذه الحوادث أكبر من الأذى الجسدي، لذلك فالثأر بيننا وبينهم لا ينتهي، وحلقاته متتالية لا تتوقف، ومتى تحدّثوا عن هدنة ووقف للحرب، ففي كل بيت ثأر لسبب مختلف سوف يكون هناك مُطالِب به مهما طال الزمان أو قصُر.