تاريخ النشر: 13 تشرين الأول 2025


آراء
عن «سايكس بيكو» والمنظمة ومنطقة الأشباح
الكاتب: غسان زقطان

 

 

تحت غطاء صناعة "شرق أوسط جديد" الذي لم يتوقف "نتنياهو" عن ترديده، كأحد أهداف الحروب التي يخوضها في المنطقة، يمكن الاهتداء إلى الفكرة الجيوسياسية الأعمق، حيث تكمن أرضية أي تحليل قد ينشأ حول الدائرة، إعادة إنتاج "سايكس بيكو" بمقاييس إسرائيلية.
الأمر أيضا يشبه كوميديا سوداء يجري تداولها بأدوات دموية. اتفاقية الوزيرين الاستعماريين "سايكس بيكو" الموقعة بعد الحرب الأولى، والتي خدمت بقوة مراحل تأسيس إسرائيل منذ ما قبل "وعد بلفور" ومهدت لتحقيقه، التي بدأت بتفكيك الولايات العثمانية، وعزل فلسطين عن محيطها العربي وحصارها داخل حدود انتدابية، وقمع الحركة الوطنية الفلسطينية وتسهيل موجات الهجرة اليهودية إلى داخل هذه الحدود، وتأسيس العصابات الصهيونية وتسليحها وتدريبها، وصولا إلى إعلان "الدولة" على 78% من فلسطين الانتدابية، هذه الاتفاقية لم تعد صالحة لطموحات "الدولة"، المطلوب الآن إعادة إنتاج واقع سياسي يخدم أطماع إسرائيل المندفعة نحو المنطقة بفائض قوة وفائض أيديولوجيا.
إمعانا في تنفيذ الاتفاقية، سيتم توزيع النسبة المتبقية من فلسطين المقسمة (22%) بين دول المنطقة؛ الضفة الغربية (المملكة الأردنية)، قطاع غزة (مصر)، ساحل طبريا (سورية) وبعض القرى في شمال فلسطين (لبنان)، حيث ستختفي فلسطين عن خرائط المنطقة بمجرد توقيع اتفاقيات الهدنة مع دول الطوق، لم يعد ممكنا العثور عليها سوى في خطابات القوميين وبعض الأحزاب السياسية وبرامجها، والخرائط القديمة المعلقة في بيوت اللاجئين الفلسطينيين مع إشارات بأقلام الرصاص، التي توزعها "الأونروا"، حول قراهم الأصلية التي هجروا منها، بينما تحولت القضية برمتها إلى شأن إنساني يتعلق بخدمات معيشية لمئات الآلاف من اللاجئين.
سيتواصل هذا التغييب حتى منتصف الستينيات مع إعلان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وضمها إلى الجامعة العربية، لعل من أهدافها كان استيعاب الحالة الثورية التي شهدها الواقع الفلسطيني، في مخيمات اللاجئين وقطاع غزة على وجه الخصوص، وترويضها تحت مظلة النظام العربي، ولكن حضور فلسطين الحقيقي سيأخذ صيغة أكثر جذرية واستقلالا مع تفجير نفق عيلبون، والبيان الأول لحركة التحرير الوطني الفلسطيني في الفاتح من يناير 1965، كانت شحنة الديناميت البدائية تلك هي الإشارة الحقيقية لفلسطين غير المرئية كي تتبدى من جديد.
لم تعزل "فتح" بقيادة ياسر عرفات نفسها عن المنظمة التي بدت امتدادا للنظام العربي، ولم تذهب بعيدا في استعدائها كإطار سياسي منافس، بل اعتبرها عرفات أحد مكاسب الحركة الوطنية الفلسطينية ورافعتها، وبدل أن تستوعب المنظمة الحركة الثورية الفلسطينية الناهضة، استوعبت هذه الحركة الشعبية المنظمة وقادتها عبر انتخابات معلنة لتحولها إلى جبهة وطنية عريضة.
هذا درس ينبغي استحضاره، الآن، بينما تحاول إسرائيل وأميركا تفجير "سايكس بيكو" بعد استنفاد مهمتها، وإعادة تقسيم الذي قسمته وفي مواجهة برنامج إعادة فلسطين إلى منطقة الأشباح.