تاريخ النشر: 10 تشرين الأول 2025


آراء
ترامب يريد جائزة نوبل للسلام وليس السلام!


يستحق دونالد ترامب الرئيس الأميركي بدلاً من نوبل حكماً بالسجن بتهمة المشاركة في جرائم الحرب، وبتهمة مؤكدة وهي إصدار قرار بالاعتداء على سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، بينهما محيطات وبحار، وما من نزاع لا على حدود أو مياه أو ثروات، وبدلاً من نوبل يمكن منح ترامب جائزة «البلطجة العالمية» وهذه الأدلة عليها كثيرة، ولعل أوضح دليل هو التلاعب بالتجارة العالمية بإصدار التعرفات الجمركية في كل الاتجاهات الكونية، ويمكن في الحقيقة أن يجري استحداث جوائز عديدة خصيصاً له، منها الرجل العنصري البارز، أو العنصري الأخير، كذلك الرجل النرجسي الأول في العالم، أو جائزة الادعاء والكذب، وفي هذه الأخيرة ينافسه صديقه المقرب بنيامين نتنياهو، كما علينا ألا ننسى أبداً، أن ترامب يمكن أن يصنف كواحد من أكثر رجال العالم، الذين يمارسون التهريج السياسي، كما لو كان بهلواناً على خشبة مسرح حقيقي، أو حتى يلاعب الكرات في الهواء الطلق.
آخر رجل يمكن أن يتخيل أحمق في أن يرشحه لنوبل، هو ترامب، الذي مفهومه للسلام نفسه، ما هو إلا مفهوم مختل، منافٍ تماماً لمعنى السلام، فهو يقول نهاراً جهاراً، إنه يؤمن بالسلام بالقوة، ولعمري إن لم يكن هذا السلام بالإكراه، مثل الزواج بالإكراه، إن لم يكن استسلاماً، وفرضاً وقهراً فماذا يكون، والسلام الذي يفرض بالقوة، يعني أنه ينتج عن حرب ظالمة، يحسمها الطرف الأقوى، وليس الطرف صاحب الحق، وهذا كان منطق الطغاة والفاشيين عبر التاريخ، الذين شنوا حروباً دفعت ثمنها البشرية ملايين الضحايا، وعذابات لا تحصى، منذ فجر التاريخ، إلى حقبة ما بعد ترامب ونتنياهو، التي لا يمكن أن تتحقق بمجرد خروجهما من خشبة المسرح السياسي، بل بطي كل ما سارا عليه من طريق سياسي أقل ما يمكن أن يقال فيه، إنه كان طريق الإجرام بحق البشر، والدليل الدامغ هو ما حدث لغزة خصوصاً ولفلسطين عموماً، خلال العامين الأخيرين وهي آخر صفحة، فعذابات غزة، تمتد منذ العام 2008/2009 لحد الآن من حروب متوالية وحصار خانق، وعذابات وعربدة إسرائيلية، فيما عذابات فلسطين منذ 80 سنة، تخللتها مئات المجازر والعذابات والسرقات، وقد توج الثنائي ترامب - نتنياهو تلك الحقبة وذلك الطريق بأسوأ فصوله بحق البشر.
أن يمنح ترامب جائزة نوبل، يعني أن القيامة قامت، وأن ناموس الكون قد انقلب رأساً على عقب، وسؤال واحد وحيد يكمن سؤاله لترامب ولنتنياهو أيضاً، حتى يقر هو بنفسه، بأنه ليس فقط لا يستحق نوبل، ولا حتى أن تخطر بباله، بل إنه يستحق أن يتم إيداعه في سجن أبدي أو في مستشفى أمراض عقلية، وتاريخه أيضاً حافل بكل الأخطاء والخطايا، والسؤال هو هل يعتقد بالمساواة في الحياة بين البشر ؟
هل يقر بأن حياة الفلسطيني تساوي حياة اليهودي الإسرائيلي؟ وهل يؤمن بأن حياة السود والصفر، الآسيويين والأفارقة تساوي حياة البيض الأوروبيين، بل هل يعتقد أن المواطن الأميركي الأسود أو من كان من أصل آسيوي، هو بنفس القيمة مع المواطن الأميركي الأبيض من أصل أوروبي، بل هل يتعقد بأن الهنود الحمر، مواطني أميركا الأصليين لهم الحق في الحياة والعيش في وطنهم على قدم المساواة مع المستعمرين البيض؟
بالطبع لا يؤمن ترامب ولا بأي مقارنة من بين تلك المقارنات، ولا نقول هذا جزافاً، فهو يقول ليل نهار، عزمت منذ أحداث 7 أكتوبر المروعة (مع هذا الوصف) على إعادة جميع الرهائن، ولا شيء مماثلاً فيما يخص مقتل 70 ألفاً ومئة وسبعين ألف جريح آخرين، مع تدمير 90% من كل مباني غزة، السكنية والخدمية، من قبل جيش يتبع دولة عضواً في الأمم المتحدة، اعتبرتها المحكمة الدولية مجرمة حرب، ترتكب حرب إبادة جماعية.
قد يبدو أننا نتحامل على الرئيس الجمهوري الأميركي، أو أننا نبالغ على أقل تقدير، لكن في حقيقة الأمر لسنا وحدنا مع مثل هذا الموقف، فها هو شاهد من أهله، هو أستاذ القانون في جامعة جورج ميسون الأميركية الدكتور يوجين كونتوروفيتش يقول في مقال له في «وول ستريت جورنال» إن المحكمة الجنائية الدولية قد توجه تهمة للرئيس الأميركي، وذلك بناء على الدعوى القضائية التي توجه بها السيد كينيث روث الرئيس السابق لمنظمة هيومان رايتس ووتش، للمحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة أميركا على قيام بحريتها بتدمير قارب صيد فنزويلي، كذلك أشار كونتوروفيتش إلى جملة من القضايا الداخلية المرفوعة ضد ترامب والتي قد يتحول بعضها إلى قضايا دولية.
وبالنظر إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تتميز بالصبر وطول النفس، فإن تهم المشاركة في جرائم حرب الإبادة الإسرائيلية، قد تلاحق آخرين غير قادة الحرب الإسرائيليين، من بين هؤلاء رئيسة وزراء إيطاليا اليمينية المحافظة، جورجيا ميلوني حيث قالت بنفسها، إن هناك دعوى رفعت ضدها مع وزيري خارجيتها ودفاعها، أمام المحكمة الجنائية، تتهم الثلاثة بتهمة التواطؤ في حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وذلك بالنظر إلى مواقفهم، وكان آخرها ما فعلته مع وزيرها تجاه «أسطول الصمود»، وبالنظر إلى حالة التظاهر غير المسبوقة في إيطاليا والتي تقودها نقابات العمال، والتي من المتوقع أن تنجح في إسقاط حكم اليمين المحافظ بزعامة ميلوني، قريباً.
صحيح أن الحرب لم تبدأ خلال ولاية ترامب، لكن هو من تبجح وادعى في سياق «تحضير نفسه» أو تهيئة الرأي العام العالمي، لترشحه لجائزة نويل للسلام، أنه رجل سلام، وأنه مجرد أن يدخل البيت الأبيض سيوقف الحروب في العالم، وأن الحرب الروسية الأوكرانية ما كانت لتقع لو كان رئيساً، وأنه سرعان ما سيوقفها، أي أن إطفاء الحروب كان ضمن برنامجه الانتخابي، لكن ها هو قد أمضى تسعة أشهر في البيت الأبيض، ولم يفعل شيئاً، بل على العكس، تجاوز إدارة بايدن الديمقراطي السابقة، وتورط بالشراكة في الحرب مباشرة، حين قصف إيران في حزيران الماضي، وفيما يخص حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، راهن عليه نتنياهو وكان محقاً، فإذا كان بايدن قد شارك نتنياهو الحرب لوجستياً وسياسياً ومالياً، فقد فعل ذلك حين كان لا يزال هناك تأييد من بعض الحكومات الغربية لإسرائيل، لكن طوال تسعة أشهر من ولاية ترامب، كان العالم كله منفضّاً عن نتنياهو، وحتى نصف شعب إسرائيل، فيما لم يبقَ سوى ترامب بأميركا إلى جانبه، بل زاد من انحيازه إن كان من خلال دور الوسيط، أو من خلال إطلاق يده تماماً لتدمير غزة، بعد أن أعلن هو بنفسه عن غزة غير صالحة للسكن وتهجير أهلها ووضع يده هو عليها واستثمارها كريفيرا شرق أوسط.
وسهل أمر مواصلة الحرب على نتنياهو، من خلال موافقته على تبرير ذلك بأن مواصلة الحرب تعني مواصلة الضغط على حماس في ظل التفاوض لتوافق على رفع الراية البيضاء والاستسلام، على ما يصر عليه نتنياهو من تحقيق أهداف الحرب كما حددتها حكومته، أي أن ترامب لم يرَ يوماً في التفاوض صفقة حل وسط بين طرفين، بل فرض طرف لشروطه على الطرف الآخر، إن لم يكن بالحرب فبالتفاوض، وعملياً بكليهما، وهذا في حقيقة الأمر تطبيق دقيق لشعار ترامب نفسه الذي لا يكف عن رفعه هو السلام بالقوة.
هناك إذاً دافعان لترامب دفعاه لطرح ما أطلق عليه هو خطة ترامب، بما يتماهى مع نرجسيته، وهما دافع شخصي نحو نوبل، وما يؤكد هذا هو التوقيت، أي قبل أسابيع من إعلان الجائزة، ولهذا قبل أسبوع من موعد الإعلان أطلق تهديده بالإفراج عن المحتجزين خلال 72 ساعة، ليكون ذلك دافعاً لترشيحه، والدافع الثاني هو «إنقاذ» مكانة إسرائيل المتدهورة عالمياً وقال هذا بشكل صريح، وبالطبع هناك دوافع أخرى، منها أن طرحه للخطة جاء لقطع الطريق على متابعة ماكرون مع ابن سلمان خطة حل الدولتين، وهناك خطة بالفعل بين يدي الرئيس الفرنسي، مقبولة فلسطينياً وعربياً، كذلك يدرك ترامب أن عربات جدعون المكررة، واستمرار إسرائيل في حربها، بات على أبواب إحداث انقلاب سياسي عالمي، فضلاً عن أنه يؤدي إلى تآكل الجيش الإسرائيلي وإلى تعميق الانقسام داخل إسرائيل، لذلك طرح خطة ذات وجهين، أحدهما كان مقبولاً على الدول العربية والإسلامية الثماني التي التقى قادتها في نيويورك الشهر الماضي، فيما كان الوجه الثاني هو ما قبله من تعديلات نتنياهو على خطته ببنود إطارها العام بعد لقائه مع العرب والمسلمين بأيام.