في ٢٣/ ٩/ ٢٠٢٥، نشر الشاعر عبد الناصر صالح القصيدة الآتية التي عنوانها «قدمان»:
« قدمان محاربتان../ الأرض سواد وشظايا ودم فوّار/ وحطام بيوت/وصواريخ من الجو/ قدمان مشققتان/ مطهرتان بلون أماني العمر/ كأن الدنيا خرجت من لونهما للتوّ ../ قال المهزومون بدون حروب: ماذا لو فوضنا القاتل/ واعتذر المقتول عن القتل/ وطلب العفو؟/ ماذا يحدث لو قمنا../ماذا يحدث لو رحنا/ لو جئنا../ ماذا لو.. ./ يخرج أبناء الشمس من الأنفاق/ ينتشرون/ فيندلع الماء وتخضر الأوراق/ لا غفلة في صيدهم الوافر/ أو سهو../ لا خطبة في مؤتمر القمة تغتال النحو/ قدمان تطالان المجد/ بفخر وسمو../ وكلاب الليل على أطرافك غزة/ تنبح خوفاً/ عو/ عو/ عو/عو».
وعبد الناصر من طولكرم، والقصيدة تقول ما تقول وقد أثارت تعليقات كثيرة بلغ عددها، حتى يوم الإثنين ٢٩/ ٩/ ٢٠٢٥، 121 تعليقاً، قسم منها «تعليقات مجاملة» وقسم منها أثار جدلاً؛ خاصة بعد أن علّقت: «شعر مقاومة يكتب خارج قطاع غزة. في غزة الشعر شعر بكاء ورثاء وندب وألم»، وسألت مجموعة من شعراء غزة إن كانوا يكتبون شعراً مثل هذا؟!
وبلغ عدد الردود على السؤال أربعة وثلاثين رداً، عدا إبداء آخرين رأيهم، دون أن يكون ما كتبوه إجابة عن السؤال.
وأنا أتابع ما يكتبه أدباء غزة، لم أقرأ قصائد تمجد المقاوم بأسلوب واضح مباشر أو غير مباشر، فأكثر ما قرأته شكل لدي انطباعاً أن الشعراء كتبوا في رثاء الأهل والأحباب والبيوت ووصفوا معاناتهم وحياتهم اليومية. لقد أشرت إلى أسماء قليلة مدحت المقاوم أو كتبت فيه مثل ياسمين العابد، ومرة ذهبت إلى أن هذا اللون من الكتابة تفتقده كتابات أبناء قطاع غزة، فكتبت عن «نص غزة الغالب»، ولما كنت أتابع شعر بعض الشعراء الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي العالم العربي، لاحظت أنهم هم من يتغنون بالمقاوم، من المتوكل طه إلى عبد الناصر صالح، إلى صلاح أبو لاوي، إلى عبد الله أبو شميس، فتميم البرغوثي، وغيرهم.
لم يرق رأيي للكاتبة عبلة جابر، فكتبت:
«أختلف معك اختلافاً كاملاً بحكم اطلاعي على كتابات أهل غزة والداخل والخارج والضفة، وقد رصدت أن شاعرات غزة تحديداً، رغم الألم والقهر والحزن، إلا أنهن يظهرن أنساق صمود ونجاة ومقاومة ناعمة وإدانة للعالم، وعلى النقيض النصوص خارج غزة تشي بالخوف والقلق والانكسار والخذلان».
ولم تكتف عبلة بالكتابة، فقد أرسلت إلي نماذج شعرية للشاعرة آلاء القطراوي وسمية وادي وسمية أبو عيطة، والأخيرة غادرت القطاع إلى تركيا. ومن ضمن القصائد القصيدة الآتية لسمية وادي:
«كنا نريدك للنهاية/ بطلاً على كتفيك/ تكتمل الحكاية../ كنا نريدك/ أن تظل/ تقول ما لم نستطع تفسيره/ تمشي كأي فتى يحب/ يغار، يغضب/ يشتهي نكتاً،/ يعود لبيته متأخراً/ ويضل معناه النبيل/ كنا نريدك لا تموت/ كأن موتك/ من بنات المستحيل/ كنا نريدك/ كالبلاد/ تمص من دمنا/ وتكبر../ مثل عنقاء الرماد/ كنا نريدك/ أن تعود/ وتحرس المعنى الوحيد/ كنا نريدك/ يا شهيداً/ قبل لحظتك الأخيرة/ كنا نريدك يا حبيبي/ يا بقايانا/ ويا كل الذخيرة».
ومن قصائدها من ديوانها الأخير «غواية في حضرة الموت» ومطلعها:
«الناي في خديك أطول سنبلة/ واللوز في عينيك أعنف قنبلة/العابرون على خطاك مراحل/ وخطاك تعبرهم وتنهي المرحلة/ لا شيء يعطي السنديان جماله/ إلا التفاتك نحوه لتجمله/ ورد من الأشواك، صرخة هادئ/ وبقلبك اجتمع التصبر والوله/ قدماك أشرعة، يداك منارة/ شفتاك أجوبة، وصمتك أسئلة».
وتنهيها بقولها:
«لا عيب فيك سوى اكتمالك في فم/ الزمن المعفر بالحكاية المهملة/ فاصعد وحيداً نحو غيم عذابنا/ لتحرر المطر البعيد وتنزله/ ما أجمل الرجل الذي اختتمت به/ بلدي الفصول جراحها، ما أجمله!».
وواضح في البيت الأخير تأثرها بمحمود درويش في «مديح الظل العالي»، ومما قرأته من أشعارها لاحظت هذا التأثر.
وأما آلاء القطراوي فقد أصدرت ديوان «فراشتي التي لا تموت» الذي لم تنشره على صفحاتها، وفيه قصائد تمجيد للمقاوم كما أخبرتني عبلة جابر.
مرة تساءلت: ماذا كان محمود درويش سيكتب لو كان يقيم في غزة؟
واسترجعت قصائده بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ وإبان الحرب الأهلية في لبنان ثم في حرب العام ١٩٨٢، بل وفي الانتفاضة الأولى. وأبرزها «أحمد الزعتر»، و»مديح الظل العالي»، و»عابرون في كلام عابر». هل سيكتب قصائد على غرارها أم سيرثي المفقودين والبيوت و...؟
وذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، فاستحضرت قصائد إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود وعبد الكريم الكرمي. «هو بالباب واقف»، و»سأحمل روحي على راحتي»، و»أنشر على لهب القصيد». وخمّنت أنهم، في هذه الظروف وأمام هذا التوحش الإسرائيلي، سيقفون إلى جانب شعبهم وسيكتبون قصائد تشبه قصائدهم السابقة، وقد أكون مخطئاً! قد!
كان إميل حبيبي يكرر العبارة الآتية: «لا تلوموا الضحية».