تاريخ النشر: 30 أيلول 2025


آراء
الوعد الثاني
الكاتب: عمرو الشوبكي

هي المرة الثانية التي تقدم فيها بريطانيا وعداً بخصوص فلسطين. فالأول كان في شهر تشرين الثاني 1917 حين أعلن وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور عن وعده بإقامة وطن قومى لليهود في فلسطين. وفي 21 أيلول 2025 أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن وعد «عكسي» بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على جانب من أرض فلسطين التاريخية تعيش في سلام مع الدولة العبرية.
الفارق بين سياق الوعدين كبير، ليس فقط من زاوية من هو صاحب الحق التاريخي في هذه الأرض، إنما في أن وعد بلفور جاء في ظل تصاعد قوة المشروع الصهيوني المدعوم غربياً وتراجع القوى العربية والفلسطينية حتى هزيمة 48. أما «وعد» ستارمر فقد دعم الطرف الأضعف في الصراع، أي الفلسطيني، والذي يعاني من انقسام وتشتت واضحين.
ومع ذلك، لا يجب التقليل من خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية في السياق الحالي. فرغم أنها جاءت في ظل ضعف طرف وجبروت آخر، إلا أنها عبرت أيضاً عن تحول كبير في الرأي العام الغربي لصالح عدالة القضية الفلسطينية، والذي ساعد كثيراً من حكومات العالم من كندا إلى أستراليا إلى أوروبا للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وعد بلفور كان مجرد رسالة ولم يكن قراراً من الجمعية العامة للأمم المتحدة (كما حدث مؤخراً بالاعتراف بدولة فلسطين)، أرسلها وزير خارجية بريطانيا إلى أحد القيادات اليهودية البارزة، المصرفي البريطاني البارون روتشيلد، أوضح فيها تعاطف بريطانيا مع مساعي الحركة الصهيونية لإقامة وطن لليهود فى فلسطين.
ومع ذلك، فقد استفادت الجماعات الصهيونية من هذه الرسالة واستخدمت تكتيكات كانت تقوم دائماً على قبول الحد الأدنى أو بالأحرى الحد الذي ترفضه داخلياً في انتظار تغير الظروف، ثم تقوم بالضرب بعرض الحائط بما سبق وقبلته، حتى نجحت في السيطرة بشكل متدرج على الأراضي الفلسطينية. فقد قبلت قرار التقسيم، ثم عادت ورفضته، ثم توسعت بعد هزيمة 67 واحتلت القدس والضفة وغزة، وحالياً ترفض التخلي عن هذه الأراضي رغم قرارات الأمم المتحدة التي تطالبها بالانسحاب.
والحقيقة أن ما فعلته فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة وخاصة حركة حماس كان تقريباً عكس ما قامت به الجماعات الصهيونية. فقد ظلت تتمسك بالحد الأقصى من مطالبها وتعجز عن تحقيقه، في حين أن المطلوب أن تقبل الحد الأدنى وتعمل على تغيير الظروف السيئة المحيطة به حتى تستطيع أن تحقق أهدافها في التحرر وإنهاء الاحتلال. من هنا تأتي أهمية «وعد» إقامة الدولة الفلسطينية لأنه مَثَّل نقطة انطلاق على الطريق الصحيح رغم التحديات الكبيرة التي يواجهها على الأرض، منها التطرف الإسرائيلي ومحاولاته إجهاض مشروع الدولة الفلسطينية عملياً، وذلك بالاستيطان والضم في الضفة الغربية، والتهجير في غزة. وأيضاً هناك مشكلة الانقسام الفلسطيني ومعضلة حماس والقدرة على وقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة.