لا شك أن استشهاد المناضل الكبير الوزير زياد ابو عين كان علامة فارقة في كثير من النواحي، فهو وإن لم يكن الفلسطيني الأول الذي يستشهد في إطار المقاومة الشعبية السلمية ضد الاحتلال فهو الوزير الأول الذي يستشهد في مواجهة مباشرة مع قوات الاحتلال عنوانها غرس أشجار زيتون لمنع مصادرة الأرض، فارتبط استشهاده بشجرة الزيتون وهي أهم رموز السلام على الكرة الأرضية. ومن ناحية أُخرى ارتبط بتبني القيادة للنضال السلمي كأهم أشكال الكفاح ضد الاحتلال في هذه المرحلة، وهو ما يتوافق مع التوجه إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة لإنقاذ العملية السياسية التي وصلت إلى طريق مسدود مع الحكومة الإسرائيلية الحالية التي فشلت إلى درجة أنها ستغادر الحكم قبل انتهاء نصف ولايتها.
وقتل زياد هو دليل اضافي على أن المستوى السياسي في إسرائيل لا يروق له أن يتجه الفلسطينيون نحو نضال شعبي سلمي مدعوم بكفاح سياسي دبلوماسي من أجل التوصل إلى سلام شامل وعادل في هذه المنطقة يقوم على إنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فاستخدام القوة الذي لا يستثني أحداً لا قائداً ولا مواطناً يهدف إلى دفع الفلسطينيين باتجاه العنف. وإسرائيل لا تستطيع تحمل تبعات مواجهة التحركات السلمية الفلسطينية بالعنف وإراقة الدماء، وأسهل عليها بكثير أن تواجه الانتقادات الدولية في إطار صراع عنيف تدعي فيه أنها تدافع عن نفسها في وجه الإرهاب الفلسطيني مع أنها تمارس الإرهاب يومياً ضد الشعب الفلسطيني، وعملياً لا يوجد إرهاب أكبر من استمرار الاحتلال واغتصاب إرادة شعب كامل وحجب حريته ومنعه من ممارسة حقه في تقرير المصير.
لقد أحرج استشهاد زياد سلطات الاحتلال كثيراً وبادرت منذ اللحظة الأولى بتوجيه رسائل إلى كل الجهات تعبر فيها عن اسفها وتتعهد بفتح تحقيق بالموضوع، ولكن هذا لم يمنع الإدانات وردود الفعل الدولية المنددة بهذه الجريمة. ولهذا السبب يجب ان نتمسك بحقنا في الكفاح من أجل حرية الأرض والإنسان الفلسطيني، وأن نتمسك كذلك بالأسلوب الذي يؤذي إسرائيل أكثر من أي شيء آخر، تماماً كما هو التوجه نحو مجلس الأمن والمنظمات الدولية. وحتى لو اعتبرت إسرائيل هذا التوجه بمثابة خطوات أحادية الجانب وهددت برد فعل على كل خطوة، سيكون من الصعب عليها القيام بخطوات متطرفة أو جدية ضد الفلسطينيين في إطار الرد على معركة سياسية مشروعة، ولو كانت تملك خيارات واسعة أو مؤلمة للرد لما توسلت إلى الولايات المتحدة لاستخدام حق النقض الـ»فيتو» ضد اي مشروع قرار يتحدث عن انهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية في أي اطار زمني محدد.
لا بد من استخلاص الدرس الأبرز من شهادة المناضل ابو عين وتوسيع حجم المشاركة الشعبية في مقاومة الاستيطان والجدار وكل المشاريع الاحتلالية الهادفة إلى تهويد القدس والمناطق المحتلة، وهذه مقاومة مؤثرة جداً لا تكسبنا دعم العالم أجمع فحسب بل يمكنها كذلك أن تخلق شرخاً كبيراً وواضحاً في الرأي العام الإسرائيلي كما حصل خلال الايام الماضية. ولا يجب الاستخفاف بهذه المقاومة وتقديس المقاومة العنيفة التي إذا لم تستخدم في المكان والزمان والظرف المناسب ستكون الخسارة المترتبة عليها أكبر بكثير مما يمكن أن نحصد الخير من ورائها، ولنا في تجربة غزة خير مثال على سوء الاختيار وحجم الخسائر وضحالة الانجاز. وحتى لو كان من حقنا استخدام كل وسائل الكفاح والمقاومة في وجه الاحتلال وهو حق يكفله لنا القانون الدولي، يتوجب علينا أن نتخذ الوسيلة المفيدة في كل مرحلة ولا نتخذ من الحق ذريعة لتدمير الذات وإلقاء النفس في التهلكة.
وفي العمل السياسي لاحظوا المواقف الإسرائيلية من الذهاب إلى مجلس الأمن واعتماد الدبلوماسية في مواجهة العناد الإسرائيلي وتدمير فرص حل الدولتين، هناك مئات من الإسرائيليين الذين دعموا هذا التوجه علانية، وهناك مئات بل وآلاف يريدون أن يعترف العالم بدولة فلسطين في حدود العام 1967، لأنهم يؤيدون العمل الفلسطيني من أجل إنقاذ المنطقة من ويلات الصراع ويدركون أن النضال السياسي الفلسطيني هو لمصلحة السلام. هذا التيار الإسرائيلي يجب تعزيزه وتقويته وتوسيعه من خلال رسالة فلسطينية واضحة وقاطعة بتبني خيار السلام العادل القائم على الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا والذي بكفاح فلسطيني سلمي متواصل وبمراكمة الإنجازات على مختلف المستويات، وهذه الرسالة يجب أن تصل كل ناخب إسرائيلي ليكون متأكداً أن تصويته يكون في الاختيار بين تحقيق السلام وبين الانحياز للحرب الذي تقدسه الحكومة الإسرائيلية وجهات اليمين المتطرف التي لا تريد سوى إدامة الصراع والعنف وتوسيع الحرب وإضافة أبعاد جديدة إليها في كل مرة على طريقة نتنياهو الذي يدفع إسرائيل إلى مزيد من العنصرية والتمييز ومصادرة حقوق حتى جزء من مواطنيه غير اليهود. وإسرائيل تذهب نحو عزلة دولية متزايدة يجب تعزيزها وإيصالها إلى مستوى ما تعرضت له حكومات جنوب إفريفيا العنصرية، وهذا يمكن تحقيقه بانتهاج سياسة حكيمة في مواجهة هذا الاحتلال الأخير على وجه الأرض.