21 شهيداً في قطاع غزة منذ فجر اليوم       الرئيس محمود عباس يرحب بإعلان الرئيس ترمب بوقف الحرب       مستوطنون يقتحمون قرية شلال العوجا شمال أريحا       الأردن يرحب بالرد الإيجابي لحركة حماس على مقترح ترامب لإنهاء الحرب على قطاع غزة       أستراليا: نرحب بالتقدم في خطة ترامب لإحلال السلام بغزة       جيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات واسعة بالضفة       رئيس الوزراء الكندي: نرحب بالتزامات حماس بالتخلي عن السلطة       رئيس الأركان الإسرائيلي يأمر بالاستعداد لتنفيذ خطة ترامب       أكسيوس: الجيش الإسرائيلي سينتقل إلى العمليات الدفاعية فقط في قطاع غزة وسيوقف عملية احتلال مدينة غزة       ستارمر يدعو إلى "اتفاق دون تأخير" على خطة السلام في غزة      
تاريخ النشر: 04 تشرين الأول 2025

خطة ترامب ستشعل "مواجهة سياسية" في المنطقة

بقلم: تسفي برئيل

خرج رئيس بلدية خان يونس، علاء البطة، وهو رجل «حمساوي» بارز، الثلاثاء الماضي، بمبادرة استثنائية. فعلى صفحته في الفيسبوك، دعا قيادة «حماس» وكل الفصائل الفلسطينية إلى «عقد لقاء افتراضي والموافقة الفورية على الخطة»، وتشكيل وفد لإجراء مفاوضات، يضم ممثلين عن مصر والسعودية وقطر وتركيا وممثلي السلطة الفلسطينية. سيجري هذا الوفد مفاوضات حول نقاط الخلاف سعياً لتحسين بعضها، والحصول على الضمانات اللازمة، ووضع جدول زمني، وتحديد المناطق التي ستنسحب منها إسرائيل. وهناك ما هو مثير للاهتمام في دعوته العلنية، التي لاقت فعليا انتقادات لاذعة في الإنترنت: «إذا وجدت صعوبة (في الحصول على اتفاق كهذا) فإنه يجب على (حماس) الإعلان عن تسليم ملف غزة بالكامل إلى لجنة عربية – إسلامية برئاسة مصر والسعودية، وأن (حماس) ملتزمة بتنفيذ كل قرارات هذه اللجنة».
رد المتصفح نائل بركة على ذلك: «أين كنت في بداية الحرب كي تأتي، الآن، لتقدم لنا هذه النصائح... نصيحتك للأسف الشديد جاءت متأخرة جداً، لأن غزة انتهت».
من المشكوك فيه أن «حماس»، التي أعلنت في الواقع أن ردها على خطة ترامب سيقدم بعد التشاور مع الفصائل الأخرى، ستتبنى اقتراح البطة. وفي هذه الأثناء، موعد الإنذار النهائي الذي أعطاه الرئيس الأميركي لـ»حماس» للرد على الـ 20 نقطة، على وشك الانتهاء، ولم يأتِ رد «حماس» بعد، والتلميحات المتناقضة التي تقتبس من المتحدثين باسم «حماس» تتراوح بين التعامل «بصورة متعاطفة» وبين اعتبار الخطة «احتلالا استعماريا جديدا» لغزة على يد دول أجنبية. حسب التقارير عن مشاورات «حماس» في الدوحة مع ممثلين كبار من مصر وقطر وتركيا، إلى جانب محادثات ترامب ومساعديه مع رؤساء هذه الدول، يبدو انه بالأساس تم التوصل إلى اتفاق على أن الخطة بحاجة إلى بضعة أيام أخرى، ستجرى فيها مفاوضات حول بعض تفاصيلها. وقال مصدر دبلوماسي عربي للصحيفة، إنه «أيضا في واشنطن يعرفون أن الخطة تحتاج إلى عدد من التعديلات بعد أن أوضح رئيس حكومة قطر، محمد آل ثاني، أن الخطة تقتضي المزيد من النقاشات حول تفاصيلها، وعمليا تحدث عنها كما يتحدث عن «خطة مبادئ» ما زالت غير ناضجة للتطبيق».
حسب هذا المصدر فإن الخلافات والتحفظات «موجودة في رزمتين. الأولى، تتعلق بالمرحلة الأولى في الخطة التي تحتاج إلى توضيحات دقيقة حول عمق انسحاب إسرائيل ومراحل الانسحابات القادمة والجداول الزمنية لتنفيذها وتفسيرات فعلية لطلب نزع سلاح (حماس). الثانية، تتعلق بقضية السيطرة التي ستكون في غزة في كل مرحلة من مراحل انسحاب إسرائيل وبعد استكمالها». فوق الرزمتين، ما زالت تحلق قضية الضمانات والتعهدات التي تطلبها «حماس» من الولايات المتحدة لتنفيذ الخطة، لا سيما البند المتعلق بالوقف المطلق للحرب. حسب محادثات مع جهات في السلطة الفلسطينية والأردن وتركيا يبدو انه لن يكون مناص من مناقشة فصلين في خطة ترامب – مرحلة وقف الحرب ومرحلة الإدارة المدنية – بدون ربط تنفيذ أحدهما بالآخر. «الجهد الأساسي، الآن، ينصب على صياغة تعديلات قابلة للموافقة عليها، أو تعزيز صياغات قائمة تتعلق بالمرحلة الفورية لوقف إطلاق النار»، قال مصدر سياسي أردني للصحيفة. وحسب أقواله فإنه في كل ما يتعلق بخطة «اليوم التالي» توجد خلافات، ليس فقط داخل «حماس» نفسها، وبين «حماس» ودول الوساطة، بل أيضا بين الدول التي يمكن أن تكون مشاركة في تنفيذ الخطة.
مثال على هذا الخلاف يسمع من وزير خارجية مصر، بدر عبد العاطي. قال قبل أيام، إن موقف مصر هو أن «إدارة قطاع غزة ستكون تحت المسؤولية الفلسطينية، بدون تدخل خارجي مباشر في الشؤون الداخلية للقطاع». وحسب قوله فإن مصر تعتبر دورها «عاملا داعما» وليس جزءاً من جهة إدارية، ولا تعارض نشر قوة عسكرية متعددة الجنسيات في القطاع «من اجل مساعدة النظام الفلسطيني على تجسيد دولته». لا يتساوق هذا الموقف تماما مع المبادئ التي توجه خطة إقامة «السلطة الانتقالية الدولية لغزة» (جي.آي.تي.ايه)، المعروفة باسم «خطة بلير»، التي بحسبها مجلس المدراء لهذه السلطة، الذي سيكون فيه «على الأقل فلسطيني واحد» (وغير ملزمة بأكثر من ذلك)، سيكون «صاحب الصلاحية الاستراتيجية والسياسية العليا للتقرير في شؤون القطاع». حسب الهيكلية المقترحة لهذه السلطة، في الواقع لن تكون «حماس» جزءاً من أجهزة الإدارة المدنية، لكن أيضا سيحتفظ للسلطة الفلسطينية فقط بدور هامشي في تقرير السياسات.
تعكس أقوال وزير خارجية مصر الموقف العربي العام الذي تم الاتفاق عليه في لجنة القمة العربية – الإسلامية، الشهر الماضي، لكن مصر لا تنوي أن تكون فقط «قوة داعمة» في الإدارة الفلسطينية التي ستقوم في غزة. لأنه مع تطبيق المرحلة الأولى للخطة فإن النية هي فتح معبر رفح أمام حركة البضائع والأشخاص، ضمن الشروط التي حددت في اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع عليه في كانون الثاني الماضي، وان توزيع المساعدات سينفذ من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير المرتبطة بأي طرف من الطرفين. المعنى هو أن مصر ستكون العامل المسيطر على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتستطيع أن تستخدم هذه الصلاحية لترسيخ صلاحياتها ونفوذها السياسي في القطاع مثلما فعلت في السابق.
ولكن على عكس «الاحتكار» الذي تمتعت به مصر على المعبر قبل الحرب، والذي استمر جزئياً حتى سيطرت إسرائيل عليه، فإنه سيطلب من مصر تنسيق نشاطاتها مع الآلية الدولية الجديدة. ورغم وجود ممثل رفيع المستوى، ربما الملياردير نجيب سويرس، إلا أنها ستواجه جهات أخرى لها مصالح، خاصة الدول العربية المانحة. ورغم دعمهم الساحق لخطة ترامب إلا انه يتوقع أن تشعل ترجمتها العملية على ارض الواقع خلافات جدية، منها الاتفاق على هوية كبار المسؤولين وصلاحيات المفاوضين الذين سيتم تعيينهم للتعامل مع مسائل معينة مثل التشريع والأمن والموافقة على قائمة المقاولين الذين سينفذون خطط إعادة الإعمار.
ليس من نافلة القول التذكير بأنه حسب الخطة، التي عرضتها مصر لإدارة القطاع في آذار الماضي والتي وُضعت أجزاء منها في خطة ترامب، فإن مبلغ إعادة الإعمار المطلوب في غزة قدر في حينه بـ 53 مليار دولار. ازداد التقدير الآن بعشرة مليارات دولار. لن تأتي الأموال من صندوق القاهرة الهش. السعودية، الإمارات، وقطر هي التي يتوقع أن تكون الدول الداعمة الرئيسة، وستنضم إليها بنطاق أصغر أيضا تركيا واندونيسيا ودول الاتحاد الأوروبي. الآن الأموال غير موجودة. وتخطط مصر لعقد مؤتمر دولي للدول المانحة بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وانطلاق المرحلة الأولى من خطة ترامب. ولكن إذا اجتازت الخطة مرحلة المصادقة فعندها سيكون للأموال دور سياسي رئيسي.
في اللحظة التي ستنطلق فيها حملة إعادة الإعمار سيتم فتح المنافسة على السيطرة في غزة. حسب طبيعة المنافسة المتوقعة فإنه يمكننا التأثر بسابقة سورية، حيث تم إغداق الوعود بمليارات الدولارات على الرئيس أحمد الشرع من الدول التي يتوقع أن تساهم في إعادة إعمار غزة. لم تصل الأموال الطائلة حتى الآن إلى دمشق، ولكن كل دولار يحتمل أن يكون مقرونا ببطاقة ثمن سياسي يحدد إلى أين تتجه سورية. أيضا ينتظر لبنان بتأهب وتخوف رؤية كيف ستؤثر «الطفرة» المخطط لها في غزة على احتمالية حصوله على المساعدات لإعادة إعماره. تتساءل قيادته أين يقف لبنان في سلم الأولويات للدول المانحة، وهل ستبقى أموال ودافعية لمساعدته بعد سورية وغزة؟
تقدر الأضرار والخسائر، التي لحقت بلبنان، بـ 13 مليار دولار، نصفها بسبب أضرار مباشرة لحقت بالبنى التحتية العامة والمباني السكنية، والباقي بسبب الإضرار بالاقتصاد في أعقاب فقدان المداخيل. ومثل السلطة الفلسطينية وسورية، أيضا يجب على لبنان أجراء إصلاحات عميقة كثيرة، ترتبط باتفاق سياسي واسع، قبل أن يحصل على المساعدات. جميعها أيضا يجب عليها اجتياز حقل ألغام متفجر ونزع سلاح التنظيمات غير الحكومية – «حزب الله» في لبنان، الميليشيات الإسلامية، الأقلية الكردية، الأقلية الدرزية في سورية، و»حماس» في غزة – في إطار رزمة الشروط. سورية، لبنان وفلسطين، هي الفضاء الجديد الذي يمكن فيه للدول المانحة، لا سيما دول الخليج – اكثر من أميركا أو إسرائيل – التأثير على النتائج السياسية التي ستميز «الشرق الأوسط الجديد». على ذلك يتوقع حدوث صراع أيديولوجي واستراتيجي صارخ.
هنا يكمن الخطر الذي يهدد خطة ترامب: من الآن ستبدأ الأطراف في التصادم حول تفاصيل بنية «اليوم التالي»، وستربط تنفيذ المرحلة الأولى، التي هي أيضا لم يتم إغلاقها بعد، بالموافقة على الخطة النهائية الضبابية. ولكن حتى فصل المفاوضات على جزأي الخطة لا يضمن النجاح، حيث إن الحلقة بينهما لا تتعلق فقط بمكانة «حماس»، بل أيضا بمكانة السلطة الفلسطينية و»م.ت.ف» وطبيعة العلاقة بين الضفة والقطاع. «لا نستطيع الآن تحميل كل تاريخ فلسطين على خطة ترامب، وان نحل بوساطتها القضايا التي لم ننجح خلال عشرات السنين في الاتفاق عليها»، قال مصدر رفيع في السلطة الفلسطينية للصحيفة. وهو يعترف انه حتى الآن لا توجد للسلطة أداة ضغط أو مكانة تمكنها من وضع الشروط. «في نهاية المطاف تمت كل هذه العملية من وراء ظهر السلطة. فقط بفضل موقف السعودية الحازم ونجاح مبادرتها في إثارة موجة اعتراف دولية جارفة بدولة فلسطين، نجحت السلطة في الحصول على مكانة ضيف في الخطة الأميركية. هذه هي فرصتنا لتوحيد جزأي فلسطين تحت قيادة واحدة. لا يوجد أي تأكيد على انه ستكون هناك فرصة كهذه».

عن «هآرتس»