عندما نقرأ خطة ترامب، يتبادر إلى ذهننا فوراً السؤال التالي: ما الداعي لهذه الخطة بينما هناك خطة سعودية – فرنسية وافقت عليها وأقرتها 142 دولة في إعلان نيويورك بالأمم المتحدة بتاريخ 12 أيلول الماضي؟
الخطة السعودية – الفرنسية المقترحة تتقاطع في العديد من بنودها مع ما يريده ترامب ونتنياهو مثل نزع سلاح المقاومة، إعادة الأسرى الإسرائيليين، وإصلاح السلطة، وإدخال المساعدات الإنسانية، وتشكيل هيئة دولية لإدارة غزة وغيرها. لماذا، إذاً، طرح خطة بديلة؟ ولماذا على العرب التخلي عن خطتهم؟
الخطة السعودية – الفرنسية والمكونة من سبع صفحات، تهدف إلى وقف إطلاق نار دائم وتبادل للأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية بلا عوائق، وانسحاب كامل لقوات الاحتلال الإسرائيلي من غزة ضمن مسار مدعوم دولياً.
وهي تحدد اليوم التالي بتوحيد غزة والضفة الغربية تحت مظلة السلطة الفلسطينية. وتقول، إن على «حماس» إنهاء حكمها ونزع سلاحها وتسليمها للسلطة الفلسطينية المدعومة دوليا.
وهي تدعو أيضا إلى تشكيل «مهمة استقرار دولية مؤقتة بتفويض من مجلس الأمن ودعوة من السلطة الفلسطينية، تُنشر في غزة بينما يُدرِب الشركاء قوات الأمن الفلسطينية» بالاستناد إلى ما هو موجود من هيئات دولية وعربية قامت سابقا بهذه المهمة.
والخطة تفرض التزامات واضحة على دولة الاحتلال أهمها: الالتزام العلني بحل الدولتين، وقف الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين عبر الاستيطان أو الضم، وإنهاء عنف المستوطنين، وإلغاء مشروع «E1» الذي يفصل شمال الضفة عن جنوبها، والإفراج عن أموال المقاصة الفلسطينية، ومراجعة بروتوكول باريس للعلاقات الاقتصادية بين السلطة وإسرائيل وإنشاء إطار بديل لتحويلات إيرادات المقاصة يؤدي إلى ملكية فلسطينية كاملة للضرائب والدمج الكامل لفلسطين في النظامين المالي والنقدي الدوليين.
والأهم من كل ذلك هو أن الخطة تطرح خارطة طريق محددة زمنيا ولا رجعة فيها نحو قيام دولة فلسطينية ديمقراطية ذات سيادة وقابلة للحياة اقتصاديا، تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل، وعلى حدود الرابع من حزيران العام 1967 وفقا للقرارات الدولية.
وهي خطة برعاية ورقابة الأمم المتحدة وهي تنص على فرض عقوبات على الجهة أو الجهات التي تعيق تنفيذها.
الخطة السعودية – الفرنسية ليست مثالية وأجزاء كثيرة منها تتناقض مع ما يريده الفلسطينيون مثل «نزع سلاح المقاومة قبل قيام الدولة الفلسطينية» والإصلاحات التي لا معنى لها مثل تغيير المناهج الفلسطينية بإشراف أوروبي لإلغاء أي نصوص فيها تتحدث بصدق عن المقاومة وتاريخها وتاريخ الصراع مع دولة الاحتلال أو تلك الخاصة بعدم صرف مستحقات الأسرى الفلسطينيين وهم الذين ضحوا بحياتهم ومستقبلهم من أجل فلسطين وبعضهم بطلب من قيادة منظمة التحرير نفسها. لكنها خطة يُمكنها إنهاء الصراع إذا قبلت بها دولة الاحتلال وأيدتها الولايات المتحدة والتزمت بها.
كما أشرنا أعلاه، الكثير مما تريده دولة الاحتلال موجود في هذه الخطة مثل نزع سلاح المقاومة ومنع «حماس» من العودة للحكم في غزة، لماذا، إذاً، يطرح ترامب خطة بديلة؟
الهدف دون أدنى شك هو إجهاض الخطة السعودية – الفرنسية لأنها أولا، توحد غزة والضفة، ولأنها ثانيا، تحافظ على الكيانية الفلسطينية بجعل السلطة الفلسطينية المرجعية لحكم غزة، ولأنها ثالثا، تفرض مسارا واضحا لإنهاء الاحتلال في الضفة وغزة وعلى حدود الرابع من حزيران، ولأنها رابعا، تفرض شروطا على دولة الاحتلال عليها الالتزام بها مثل وقف الاستيطان وضم الأراضي الفلسطينية، وقبول حل الدولتين علنا والإفراج عن أموال المقاصة الفلسطينية، ولأنها أخيراً، تجعل من الأمم المتحدة المرجعية لهذه الخطة بما يتضمنه ذلك من فرض عقوبات على الجهة التي ترفض تنفيذ الالتزامات التي تقع عليها.
إذا كان الهدف الآني لمشروع ترامب، وهو كذلك، هو إجهاض هذه الخطة، فإن المطلوب ليس فتح الحوار بشأن خطة ترامب، بل رفض مشروعه الذي يهدف إلى تحقيق أهداف إسرائيل الخمسة التي أعلنتها والتمسك بالخطة السعودية – الفرنسية كأساس لوقف حرب الإبادة في غزة والانتقال مباشرة لتنفيذ البنود الخاصة بإنهاء الاحتلال لكل الأراضي الفلسطينية المُحتلة.
لعل الأخطر في خطة ترامب أنهم يسعون إلى وضع العرب في مواجهة المقاومة الفلسطينية وبأموال العرب أنفسهم لتحقيق أهداف إسرائيل المُعلنة وإعفائها من التكلفة البشرية والمالية والسياسية التي تترتب على ذلك بفعل الحرب.
إن مصلحة العرب والفلسطينيين، إذا ما أرادوا إنهاء الاحتلال وتحقيق سلام مُستدام والاستثمار في مشروع قابل للتحقيق هو في التمسك في الخطة السعودية – الفرنسية والتي أيدتها غالبية دول العالم، وليس التخلي عنها لحساب خطة بديلة هدفها خدمة دولة الاحتلال.
إن كل حديث عن خلاف بين ترامب ونتنياهو هو كلام سخيف هدفه الإيحاء بأن ما تريده الولايات المتحدة يختلف عما تريده إسرائيل وأن الأولى تضع خطة متوازنة فيها بعض ما يريده العرب. لكن النصوص واضحة ويمكن قراءتها ومقارنتها مع شروط دولة الاحتلال الخمسة لإنهاء حرب إبادتها في غزة ومع المشروع السعودي – الفرنسي. إنها تتبنى شروط الأولى كاملة، وتُلغي كل ما هو إيجابي في الثانية.
إن ما تعرض له الفلسطينيون خلال عامين من حرب الإبادة، لم يتعرض له شعب آخر منذ الحرب العالمية الثانية. حيث يُباد الفلسطينيون في غزة بكل الطرق من القصف المباشر لمنازلهم وخيامهم ومستشفياتهم إلى حرمانهم من العلاج والدواء والغذاء.
لا يجب أن تكون نتيجة ذلك مكافأة للاحتلال بتنفيذ شروطه، بل إن المطلوب هو الاستمرار في العمل على عزله ومحاصرته ومعاقبته، ومن المسيء والمخجل أن يقوم البعض من العرب والغرب بالاجتماع مع نتنياهو وهو رجل مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب.
لكن لا تتوقف خطة ترامب عند هدف إجهاض المبادرة السعودية – الفرنسية، بل إن هدفها الأبعد هو كسر حالة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني وفك العزلة عن دولة الاحتلال وإعادتها كدولة غير مارقة للمجتمع الدولي.