تاريخ النشر: 27 تشرين الثاني 2025


آراء
مَن المستهدف، المسلمون أم الإسلام؟
الكاتب: طلال عوكل

لم أكن ولم أفكّر يوماً في أن أنتمي أو أُؤيّد جماعات «الإسلام السياسي»، ولكن ذلك لا يعني أنني غير مسلم.
لقد نشأت وتربّيت على الأفكار الاشتراكية الديمقراطية، وما زلت أنتمي لهذا التيار الفكري.
منذ نشأت جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر عام 1928، ولديّ انطباع، بأن هذه الجماعة مدعومة، ومتعاونة مع الدول الغربية، وأن الكثير من قياداتها تعيش في تلك الدول، وتمارس نشاطاتها من دون أية مضايقات، وحتى وقت قريب كانت الجماعة تحظى برضا إدارات أميركية، والكلّ يعرف وعلى علم بموقف إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما إزاء التغيّرات التي شهدتها مصر خلال ما يسمّى بـ»الربيع العربي»، والكلّ بات يدرك أن الولايات المتحدة الأميركية، تقف خلف تشكيلات إسلاموية متطرّفة، وظّفتها في نشر الفوضى، غير الخلّاقة، خلال «الربيع العربي»، ولا تزال بعض هذه الجماعات تحظى بدعم خفيّ لزعزعة الاستقرار في عديد الدول، خصوصاً العربية.
ولكن ما الذي جرى، حتى يصدر الرئيس دونالد ترامب أمراً تنفيذياً، باعتبار جماعة الإخوان، جماعةً إرهابية، وأن الأمر مطروح على جدول أعمال الكونغرس. فيما استبق حاكم تكساس الجميع، وأعلن عنها جماعة إرهابية؟
هل مشكلة الغرب مع «الإسلام السياسي»، أم مع الإسلام كهويّة روحية وحضارية؟ وهل تشكل الجماعات الإسلامية في الدول الغربية وفي أميركا خطراً على استقرار، وعلى المصالح الداخلية لتلك الدول؟
الحديث عن جماعة «الإخوان المسلمين»، هو حديث هلامي، متخيَّل، إذ إن هذه الجماعة والجماعات الأخرى، والجمعيات الكثيرة التي تحمل اسم الإسلام، ليست معرّفة، ومعظمها إن لم يكن كلّها تعمل وفق القانون، حتى أن ثمة قولاً شائعاً، بأن الإسلام الحقيقي موجود في الدول الديمقراطية «الغربية»، أمّا الإسلام في الدول العربية والإسلامية، فهو إسلام سلطوي، مخالف لجوهر الإسلام الحقيقي.
يتعزّز هذا الانطباع، حين نعلم بأن دولاً إسلامية تناصب كل جماعات «الإسلام السياسي» العداء، بما في ذلك «الإخوان المسلمون»، وفي أحيان أخرى، تقدّم الدعم بالخفاء، لبعض هذه الجماعات المتطرّفة في صراعاتها البينية، على مساحة الوطن العربي.
بل إن بعض الدول العربية التي تضع في دساتيرها نصوصاً، تشير إلى أن الإسلام أحد مصادر التشريع، تناصب الجماعات الإسلامية العداء أكثر مما تفعل مع أعداء يهددون أمنهم القومي واستقرارهم.
ثمة ركيزتان للهويّة أساسيتان، تقومان على الانتماء للأمة العربية أي الانتماء القومي، والانتماء للإسلام، وهما المكوّنان للهويّة بالإضافة إلى اللغة، والبعد الاجتماعي والجغرافي.
كل هذه المقوّمات تعرّضت ولا تزال تتعرّض للتهشيم، فلقد أزيحت القومية لصالح القطرية، وذلك بدليل الصراعات وبعضها دموية، التي تتعرّض لها عديد الدول مثل سورية، وليبيا، ولبنان، واليمن، والسودان والصومال، وكلّها لا تخلو من تدخّلات عربية مباشرة بالأموال والسلاح، والتحريض.
العرب منشغلون بالتنافس فيما بينهم، على النفوذ والثروات، وعلى خدمة الآخر، أكثر من تنافسهم مع أعدائهم الحقيقيين، بل إن بعضهم يتشارك ويتقاطع مع مخطّطات معادية تستهدف روح الأمّة، والمشروع القومي العربي، الذي يشهد انتكاسات خطيرة.
لا يقف المشروع الاستعماري عند هذه الحدود بل إنه يعمل على إنعاش الصراعات الطائفية والعرقية، لتفتيت الدولة الوطنية والشواهد على ذلك كثيرة أبرزها سورية، وليبيا، والسودان، ولبنان والعراق.
أما عن الركيزة الإسلامية، وهي المكوّن الثاني للهويّة، فهي تتعرّض للانتهاك والتفتيت من الدول العربية والإسلامية، سواء عَبر آليات الفساد والسلطوية، والتحريف الديني، والصراعات بين المذاهب الإسلامية، أو عَبر محاربة أو توظيف الجماعات الدينية بما يقدّم الإسلام بصورة مشوّهة، وعلى أنه دين إرهاب كما تعبّر عنه «داعش» وأخواتها.
خلال حرب السنتين على قطاع غزّة، وتلك كانت ممتدّة إلى الضفة الغربية ولبنان، واليمن، والعراق وإيران، أبدت عديد الدول العربية عداءً صارخاً للمقاومة الفلسطينية، التي كان عنوانها «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، باعتبار «حماس» الفرع الفلسطيني لجماعة «الإخوان المسلمين».
على أن هذه الحرب العدوانية بما تخلّلها من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، شكّلت محرّكاً قويّاً وغير مسبوق للرأي العام الدولي بما في ذلك وأساساً الدول الغربية وأميركا، وأحدثت تغييرات خطيرة في البنى الاجتماعية والفكرية في تلك الدول.
لقد تحرّكت الجاليات العربية والإسلامية، بقوة في فضاءات الديمقراطية الغربية، وانحازت إليها قوى اجتماعية ضخمة من مواطني تلك الدول حتى أسقطت سردية دولة الاحتلال، الأمر الذي اعترف به بنيامين نتنياهو المطلوب لـ»الجنائية الدولية»، وتركت فراغاً ملأته السردية الفلسطينية.
لم يكن الإسلام ولا المسلمون هم من تسبّب بهذه التغيّرات الواسعة، بل إن دولة الاحتلال بما ارتكبت وتواصل ارتكابه من جرائم هو ما حرّك الدوافع الإنسانية، إلى أن اتخذت أبعاداً سياسية في غير صالح دولة الاحتلال وحلفائها.
ومع ذلك، يبدو أن ترامب، وجد ضالّته في إعلان العداء للإسلام، بذريعة من يحملون اسمه وصفته، لا في إطار محاولاته استرضاء بعض الدول العربية فقط، وإنّما، أيضاً، لكي يشكّل ذلك أساساً للتحريض على النشطاء المدافعين عن القضية الفلسطينية، ولاستخدام ذلك إلى جانب كذبة اللاسامية، لإعادة صياغة الوعي لدى الرأي العام، وقمع كل محاولات التصدّي للسياسات الاستعمارية.
هكذا يبدو أن الإسلام هو المقصود كهويّة وليس المسلمين، الذين لا تستطيع الأجهزة الأمنية تعريفهم، ولذلك يلجأ ترامب لحظر الجماعات الإسلامية في لبنان، ومصر والأردن.
ترامب يعترف بأن جماعة «الإخوان المسلمين»، عَبر منصّة «إكس»، «بأنها تغذّي الإرهاب وتشنّ حملات لزعزعة الاستقرار ضد حلفاء أميركا في الشرق الأوسط» أي أنها لا تهدّد أمن واستقرار بلده ومصالحها الداخلية.
في ردود الفعل المرحّبة، قال نتنياهو إنه يفكّر في حظر «الحركة الإسلامية الجنوبية»، بقيادة منصور عبّاس، بعد أن كان حظر «الشمالية» بقيادة الشيخ رائد صلاح.
إذا تجاهل نتنياهو أمر الحظر، فثمة علامة استفهام كبيرة حول عباس وجماعته، وإن قام بحظر الحركة فإن ذلك سيؤثّر على الصوت والدور العربي في الكنيست.
في كلّ الأحوال فإن قرار ترامب، يفتح جبهة واسعة، من الصراع والعداءات، والتغيّرات على مساحات واسعة من العالم.