تاريخ النشر: 03 تشرين الثاني 2025


آراء
غزة من الألم إلى الأمل
الكاتب: فتحي أبو مُغلي

بعد أن خفت حمى حرب الإبادة على غزة، رغم استمرار جيش الاحتلال الإسرائيلي في السيطرة على الجزء الأكبر من قطاع غزة ورغم استمرار الاعتداءات اليومية، فقد آن الأوان لإغاثة الناس والعمل على توفير أسباب البقاء والصمود لهم على ارضهم بعد أن حول الاحتلال بعدوانه منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى اليوم قطاع غزة إلى صحراء قاحلة لا زرع فيها ولا ماء ولا خدمات.
الناس في غزة يحتاجون، اليوم، إلى تدخل الجميع من منظمات أهلية وطنية وعالمية ومنظمات أمم متحدة وجهات مانحة وممولة، والعمل على خطين متوازيين معا:
الخط الأول: خط الإغاثة العاجلة التلطيفية والتي تتلخص بإيجاد المأوى العاجل والمؤقت لمن هدمت بيوتهم وهجروا من أماكن إقامتهم، إضافة إلى توفير الغذاء المناسب والدواء اللازم والماء الصالح للشرب والاستحمام، إضافة إلى العمل على إزالة النفايات المتراكمة وإيجاد حلول سريعة مؤقتة للتخلص منها ومن المياه العادمة، هذا بالإضافة لضرورة إيجاد بدائل لضمان استمرار العملية التعليمية لطلاب المدارس وطلاب الجامعات. وهنا لا بد أن تلعب جامعات الضفة الغربية دوراً ابداعياً في سد النواقص في احتياجات العملية التعليمية وتشبيك جامعة في الضفة مع أخرى في غزة.
أما الخط الثاني المتوازي مع الأول فيتلخص بضرورة وضع خطة إعمار شاملة لقطاع غزة، والتي تشمل إعادة بناء البنى التحتية من طرق ومجارٍ ومحطات مركزية لتنقية وإزالة ملوحة للمياه وبناء محطة لإنتاج الكهرباء وإعادة بناء المدارس والجامعات والمراكز الصحية والمستشفيات، ووضع الخطط والمخططات وتقدير الكلف التقديرية لكل احتياج والبحث عن ممولين، إما بالتواصل المباشر من قبل السلطة أو من خلال الدعوة لمؤتمرات تمويل عامة أو متخصصة لكل قطاع.
هناك صمت مطبق على كافة المستويات فيما يتعلق بعملية إعادة البناء، بالرغم من صدور تصريحات متواضعة من هنا وهناك حول وجود خطط وتقييم لاحتياجات إعادة البناء، لكن المرحلة تحتاج إلى رفع الصوت عالياً وربما الصراخ، فما حدث في غزة يتجاوز حدود كل اعتبار.
فقد استشهد في غزة ما يزيد على مئة ألف إنسان وجرح مئتا ألف ويزيد ودمر اكثر من 80% من البيوت ودمرت البنى التحتية بالكامل من طرق ومحطات توليد كهرباء أو محطات تحلية مياه، وأصبحت معظم المدارس والجامعات ودور العبادة والمراكز الصحية والمستشفيات عبارة عن أكوام من الركام.
أما معاناة الناس في غزة فلا يمكن وصفها بالكلمات، فكم من ألف ألف أسرة أجبرت على النزوح مرات ومرات دون غذاء أو ماء أو هدف هرباً من قصف طائرات الاحتلال ومدافعه وإجرام جنوده.
وتشير بيانات مؤسسة الأمم المتحدة للبيئة في آخر تقرير لها في نيسان 2024 إلى ان تأثيرات الحرب على غزة والقصف المستمر قد أديا إلى دمار غير مسبوق في البنى التحتية والمؤسسات الإنتاجية ومراكز تقديم الخدمات وانهارت أنظمة ومرافق إدارة الصرف الصحي والنفايات الصلبة، وقد أدى تدمير المباني والطرق والبنية التحتية الأخرى إلى توليد أكثر من 39 مليون طن من الحطام، بعضها ملوث بالذخائر غير المنفجرة والأسبستوس ومواد خطرة أخرى، كما تم دفن بقايا بشرية وسط هذه الكمية الهائلة من حطام المباني.
كل هذا بالدمار الهائل الذي لحق بشبكات التوزيع وتدمير 84.6% من مرافق المياه والصرف الصحي والنظافة الرئيسة؛ وانهيار قطاع الطاقة، وإدارة مياه الصرف الصحي، وآليات التخلص من النفايات الصلبة بسبب الأضرار الجسيمة.
في الوقت الحالي، يتعرض أكثر من مليون شخص لخطر التهديدات المتعلقة بالصرف الصحي، بما في ذلك القوارض والآفات (76%)، والنفايات الصلبة (54%)، ومياه الصرف الصحي (46%)، والنفايات البشرية (34%). ويحصل ما مجموعه 62% (1.4 مليون) من الأشخاص على أقل من الكمية الموصى بها وهي 6 لترات من المياه للشخص الواحد يوميا للشرب والطهي والنظافة الأساسية.
وصلت نسبة تغطية التطعيم للأطفال ما يقرب من 100% لأكثر من عقد من الزمان، وبسبب حرب الإبادة الإسرائيلية فقد توقف التطعيم الروتيني وأصبح تأثير انهيار نظام التطعيم واضحا مع عودة ظهور الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، بما في ذلك تفشي فيروس شلل الأطفال بعد 25 عاما من الخلو من هذا المرض.
في شباط 2025، قدم الأمين العام لمنظمة الصحة العالمية إلى اجتماع الجمعية الثامن والسبعين تقريراً يشير إلى تدهور النظام الصحي في قطاع غزة بشدة بسبب الهجمات الإسرائيلية على المؤسسات الصحية، حيث تم الإبلاغ على أن 44% من المستشفيات معطلة؛ 30% فقط من المستشفيات العاملة جزئيا لديها إمكانية الوصول الكافي إلى المياه و100% تعتمد على المولدات؛ وتوقفت 58% من عيادات الرعاية الأولية عن العمل.
وبسبب الحصار وتبعات الحرب والتدمير اصبح ما يزيد على 50000 طفل في غزة يعانون من سوء تغذية شديد يحتاج إلى علاج.
وطالب مدير عام منظمة الصحة العالمية في تقريره بضمان الوصول غير المقيد إلى الرعاية الصحية في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك، استعادة الخدمات الصحية الأساسية والرعاية الطارئة، بالإضافة إلى ضرورة استعادة وتوفير إمكانية الوصول إلى الخدمات الحيوية المنقذة للحياة في قطاع غزة، بما في ذلك المساعدة الطبية والدخول العاجل للغذاء والدواء والمياه والوقود، وحماية العاملين والمرافق الطبية.
كما اكد على ضرورة حماية المرضى والعاملين في مجال الرعاية الصحية والمستشفيات ووسائل النقل الطبي في الأرض الفلسطينية المحتلة وتعزيز النظام الصحي في الأرض الفلسطينية المحتلة من خلال إعادة بناء الهياكل الأساسية الحيوية، وتمويل الإنعاش، ودعم مراقبة الأمراض ومعالجة سوء التغذية وتفشي الأمراض في الأرض الفلسطينية المحتلة عن طريق ضمان الأمن الغذائي والحصول على المياه النظيفة، وتعزيز جهود مكافحة الأمراض المعدية والتطعيم، ولا سيما ضد شلل الأطفال وغيره.
إن معالجة التحديات التي تواجه قطاع غزة، اليوم، وبعد حرب إبادة غير مسبوقة، تتطلب التعاون الدولي وتعزيز وتكثيف المساعدات الإنسانية. ويجب على المجتمع الدولي أن يلعب دوراً فعالاً في إعادة بناء البنى التحتية لمختلف القطاعات وخاصة قطاع الصحة والتعليم. كما لا بد من بناء عصري لخطوط المواصلات والطرق وشبكات المياه ونظم التحلية للمياه والصرف الصحي والتخلص من النفايات الصلبة وغير ذلك من ضرورات الحياة الإنسانية.
إن تعزيز الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق سلام دائم وعادل في المنطقة عماده إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، يشكل الأساس للحد من وتيرة الصراعات في المنطقة ككل وتحقيق السلام الشامل في الإقليم.