تاريخ النشر: 10 كانون الثاني 2015


مقالات
هذا البياض لنا
الكاتب: تحسين يقين

«تلج تلج
عم بتشتي الدنيا تلج
والنجمات حيرانين وزهور الطرقات بردانين»
في ظل الظلم والظلام الذي نعيش، في ظل الانسداد والاسوداد، تهدينا السماء أبيضها، برغم ما يثير من طوارئ في البيوت والمؤسسات، لتأمين الخبز والدفء، لكنه يبقى جميلاً.
هو عيد الصغار، وموسم الكرات البيضاء المتطايرة في سماء الروح والأرض، لكن لا زهور هنا، ولا بياض الكون هنا يظهر النجوم..
نفش! هكذا كنا نهتف فرحاً حين تبدأ طقوس الثلج، نفش دافئ ناعم الملمس، ما أرقه حين يذوب على باطن اليد..

كل وبياضه:
مدت الطفلة يدها الصغيرة تقطف «نفشة»، قبضت عليها كما يقبض الكبار الدنانير الذهبية، كل ودنانيره.. تناولته الطفلة طعاماً وابتسمت، فمن أين جاءت بكل هذا الفرح!
«تلج تلج عم بتشتي الدنيي تلج
والغيمات تعبانين عالتلة خيمات مضويين
ومغارة سهرانة فيها طفل صغير
بعيونو الحلياني حب كتير كتير»
كل وبياضه وفيروز تطل بصوت ووجه، لعل الأذن تتساءل هل تعبت الغيوم فعلا؟ فأعود إلى ألفي عام، زاهدا بالسؤال، ناظرا في المغارة بطفلها الجميل وبهائه العظيم.. تطير بي الترنيمة إلى بلدة المهد بيت لحم، تدخلني في الزمان فأرى الرعاة مبتهجين ببشرى الملائكة، للرعاة، في حين يتبع المجوس الثلاثة نجمة الميلاد..
أعود من الزمن إلى هذا البياض، لم تمض دقائق إذا بالقطن يدثّر أعلى الجبال هابطاً بأرديته نحو المروج وحتى الوديان صارت صفحة للكتابة! 
«تلج تلج عم بتشتي الدنيي تلج»
كل قلب كل مرج زهر فيه الحب متل التلج
نسير والبياض في داخلنا، وأمامنا، يصير القلب حمامة، «انفتح قلبي» وصارت الدنيا محبة..
أبيض.. أسود، تقف سيقان الشجر أعمدة، فأعدّ شجرات الزيتون، واللوز، أما السرو، فصار ثلجاً..
ورومانسية الفتاة أوقفت الكلمات على لسانها، فصارت شعوراً، ترحل نحو الحبيب الذي مضى نحو الأفق، تختفي عنا، وتدخل في قلبها الطائر، تنتظر روحها تركب حصاناً جميلاً.. أستمع لدقات قلبها، وأسترق السمع لحديثها الداخلي.. فأعود عاشقاً من جديد، فقد كنت هنا ذات يوم محباً!
- ما طعم الماء وطعم الثلج!
- اسألوا نزار قباني وكاظم الساهر!
- «عصفورة قلبي، نيساني
يا رمل البحر، ويا غابات الزيتون
يا طعم الثلج، وطعم النار..
ونكهة شكي، ويقيني»
ترى ما الحب؟ ما الطبيعة؟ ما المطر؟ ما الثلج؟ ما البشر!
هذا الشعور، وهذا السحر..ترى كيف هو طعم الثلج؟
لربما أعود لسارة أسألها..أو لعلي أمدّ يدي نحو «نفشة قطن»، فأتذوقه كما كنت صغيراً، فتضحك الطفلة.. للطفل الكبير!
تعود الترنيمة لتكمل حديثها:
وجاي رعيان من بعيد
وين الطفل الموعود؟
هون يا رعيان العيد
هون الليل المنشود
من فلسطين يكون الأمل!
تعيدني الترنيمة الروحية إلى الميلاد، فيعود الرعاة يباركون طفل المغارة.. وتعود نجمة الميلاد، وأرى هدايا الفرس لطفل مغارة بيت لحم، أدنو نحوهم فيشع ذهبهم، وأتذوق اللبان والمرّ.
ترى كيف يصنع الرعاة إذا داهمهم بياض الثلج، حيث الخيام ملجأ!
وكيف احتمل اللاجئون المطر والريح والبرد!
تلج تلج شتي خير وحب وتلج
على كل قلب وعلى كل مرج
ألفة وخير وحب متل التلج
القدس هنا يعني البلاد هنا، من ميلاد السلام في بيت لحم إلى موت السلام على أعتاب القدس.. يدخلني القطن إلى الخير والشر، والحرب والسلام.. فالمطلق مطلق ببياضه إن كان بياضاً أو بسواده إن حلّ السواد.
وثقيل هذا السواد على صفحة البلاد..
فأين لي بخفة «النفش.. والقطن..»!
أما طفلة السنتين فظلت تردد تلج تلج..
- ماذا علق في الذاكرة؟
- البياض، وطعم الثلج.. الذي تذوقته الطفلة ابنة العامين لأول مرة..
وسؤال المؤمن ربه بأن يغسله بالماء والثلج والبرد..!
ها هم الأطفال يغتسلون به غير مبالين بالعاصفة، تتطاير الكرات البيضاء، فتعلو ضحكة الطفلة.
و..؟
ويحيا الأمل!
Ytahseen2001@yahoo.com