يبدو أن منخفض (هدى) قد أشغل الناس عن الشأن السياسي وانشغلوا بحالهم وكان على رأس اهتمامهم بطونهم حيث خزنوا ما يحتاجونه وما لا يحتاجونه، ويبدو أن التجار لم يعد الشأن السياسي أيضاً يشغلهم فقد غرقوا بالربح السريع في منخفض (هدى) وخلال المنخفض أغلقوا محلاتهم. حتى أن المحللين والمنجمين السياسيين وضعوا انفسهم في عطلة رسمية طيلة أيام منخفض (هدى).
بعيداً عن المنخفض الناس في بلدي تنظر اننا يجب ان ننضم لمحكمة الجنايات الدولة، وجزء من الناس الذين تنعموا بالعلم يقولون ماذا عن انضمامنا لـ ICC، ولكنهم لا يريدون ان يتحملوا أعباء هذا الانضمام على أساس أن العبء يجب ان يكون من نصيب السيد الرئيس محمود عباس فقط، نريد انضماماً "خمسة نجوم" يكون دون انقطاع الرواتب ودون إجراءات احتلالية، انضماماً على أن تظل بطاقات رجال الأعمال والتجار قائمة ويذهبون صوب المصانع والوكالات الإسرائيلية ليشتروا ويبيعوا، انضماماً دون أن تقوم منظمة التحرير الفلسطينية بتعبئة جماهير الشعب الفلسطيني، إننا في معركة سياسية مثلها مثل أي معركة أخرى يجب ان نكون جاهزين لتوقع كل شيء.
أزمتنا، فلسطينياً، أن الجميع يعتقد أنه (حيوان سياسي) بمعنى كل حياته سياسية ولكننا في واقع الحال نفتقر للوعي السياسي، للتعبئة السياسية، ولا تصلنا المعلومات بانتظام من المستوى السياسي على قاعدة أن (الجبهة الداخلية) يجب ان تكون واعية ومحصنة ولكننا نتركها في مهب الريح دون أي تحصين أو توعية أو تعبئة أو توجيه، ولا نجد مصدراً للمعلومات حتى اننا نتلبس مسؤولاً أو كادراً في بيت عزاء لينورنا بما يحدث فيكون مقلاً ومختصراً.
لا أدري كيف سنضمن انضماماً لمحكمة الجنايات الدولية ونحن نتوقع عقوبات احتلالية وفي ذات الوقت لا نحصن جبهتنا الداخلية بالمعلومة والوحدة الوطنية وحشد الهمم باتجاه التكافل والتضامن والعودة لنموذج الانتفاضة الأولى الكبرى عام 1987.
الغريب أن المعلومات لو تدفقت، فإن انطباعات تشكلت في ذهن البعض وتحريضاً قد خطط له عنوانه أن ما يحدث مسرحية لن تصل إلى نهايتها، يعني المستوى السياسي يخوض معركة سياسية يراد لها أن تكون بلا ثمن على المستوى الفردي والأسري، وفي ذات الوقت يشكك بجدواها، خصوصاً التسلح بالتصريح الأميركي أن دولة فلسطين ليست كاملة العضوية وغير مؤهلة لعضوية الجنايات الدولية، والتسلح باحتجاز أموال الضرائب الفلسطينية وبدء التهيؤ للعقوبات.
جوهر الأمور أن الناس منشغلون عن الشأن السياسي بشأن آخر يتعلق بالتخزين والتموين الغذائي والاحتفاء بكل ما يخطر على بال، ويظنون انهم سياسيون بالفطرة، والمستوى السياسي يتعامل بأنه يمتلك القدرة على صناعة القرار دون تأثير الرأي العام والجماهير عبر قنوات تمثيلية على صناعة القرار، والمستوى السياسي يراهن على أن صمود الشعب الفلسطيني للإجراءات الاحتلالية أمر وارد، والجماهير تريد معارك ونتائج دون أي ثمن، والمحللون السياسيون يزيدون العيار على المستوى السياسي القيادي في خضم هذه المعركة السياسية دون مراعاة لمعايير وأسس كسب هذه المعارك.
aya2abd@yahoo.com