تاريخ النشر: 10 كانون الثاني 2015


خرم إبرة
أضيئوا نجوم ذاتكم
الكاتب: رامي مهداوي


وأخيراً فلسطين مكسوة بالزائر الأبيض خفيفاً على البعض وثقيلاً على الآخر، الفلسطينيون في كل المحافل وعلى جميع الأصعدة يعدون العدة وكأنها آخر حرب يخوضونها أملاً بالانتصار المرجو منذ عقود، كل منا خاض المعركة بطريقة ما هذه الفترة. هناك من داعب روحه وعقله وحاول الاستفادة من هذا الوقت بالثقافة العامة التي أعتبرها غذاء الروح وليس فقط العقل فظفر بالكثير. ومنا من جلس على التلفاز لأيام وليال وكأن ليس هناك للوقت قيمة، فخسر المعركة لأن الحروب لا تنتظر مواعيد أبطالها فقط هم يأتون إما على الموعد وإما يصلون متأخرين.
ومنا من واكب الراصد الجوي على انه الدليل الوحيد وأن هذه الأيام غير طبيعية ناهيك أننا في ظروف غير طبيعية منذ عام 1948، فقام بشراء ما يلزم وما لا يلزم، إن تسمية الظروف الطبيعية بهذا الاسم جاءت لأن الإنسان لا دخل ولا يد له فيها وعليه أن يتقبلها بل وان يتأقلم معها وأن يواصل حياته ليجاري الكون ويمشي فيه، ويرى الجمال الذي لا يستطيع هو بكل قدراته وتطوره أن يصنعه؛ فالجمال عند البعض مأساة والمأساة عند غيرهم جمال. يقول جبران خليل جبران: "إننا إنما نعيش لنهتدي إلى الجمال وكل ما عدا ذلك هو لون من ألوان الانتظار".
الفرحة لدى بعض أطفال فلسطين لم تكتمل، فكان منهم من فكر جاهداً كيف سيمضي ذاك اليوم؟ وماذا سيرتدي؟ وكيف هو شكل رجل الثلج الجديد؟ ومنهم من تحدى نفسه ونزل ليكمل مسيرة طفولته ويلعب دون أن يلوم والده لماذا لا يشتري له قفازات؟! أو مدفأة كهربائية؟! الفرح يصنع من العدم ولا يتحكم به، الفرح يولد يوم أنت ولدت فبكيت انت وفرحت أمك بمجيئك .. الفرح في تلك العيون البريئة.
أمهات الأغوار والمخيمات وأماكن اللجوء في غزة .. مخيم اليرموك في سورية… زارهم الزائر الأبيض وذكّرهم بمأساة لم تحل إلى الآن، ذكّرهم أن المخيمات لم تولد لمثل هذه الظروف، فليس هناك بنية تحتية تتحمل هذا الزائر، وبعض المخيمات تم تدميرها أصلاً فلم يجد الزائر مكاناً له لأن أهل البيت في العراء، وذكّرنا أيضاً أن هذه المكان مؤقت لا يمكن قبوله والتخلي عن دفء الوطن وغمرته شتاءً، لم يكونوا أقل من إبراهيم عليه السلام بالتضحية فكان منهم من أهدانا قرابين جديدة لنهتدي عندما يضل السبيل.
وهناك من اعتبر الأمر عاديا وأكمل هو المسيرة، فكان قائداً للمعركة البسيطة دون أن يدري، فمنهم لم يكتف بتتويج فلسطين بالأبيض فقط، إن فلسطين في دمه وفي شريانه الأبهر في كل المحافل يذكرها يصلي لأجلها، فتذكره هي بكل الفصول التي تحداها ليواكب حياته. أخص بالذكر منتخب فلسطين لكرة القدم المشارك في تصفيات آسيا الذي يحاول الآن جاهدا أن يضيء نجمة في الليل الحالك الذي طال علينا، الفدائي تفوق على الظروف.. والفدائي يولد فقط من أم عظيمة وهي فلسطين كل ما في الأمر الآن رد الجميل لمن وهبتنا الحياة.
وعلى غرار محفل الرياضة، هناك أيضا المسرح، فلسطين تتحدى الظروف الجوية كانت أم غيرها لتخرج ريم تلحمي وفريقها فتكبدت العناء في الوصول الى مدينة الرباط المغربية لتنافس في أفضل عمل مسرحي عربي لعام 2014.. ريم تلحمي وأعضاء "خيل تايهة" تمثل وطناً كاملاً فواصلوا عملهم ودخلوا المعركة.
في فلسطين أيضاً رجال الوطن من مستشفيات.. الدفاع المدني.. الأمن الوطني... البلديات.. الشرطة.. الكهرباء... الاتصالات.. وكل شخص اعتبر أن هذه مسؤولية فردية قبل أن تكون جماعية وهم لا يملكون إلا البسيط، تمردوا على ذاتهم ولم يلعنوا الظلام، وقاموا بعملهم على أكمل وجه لتكتمل الصورة التي لم تلون بالأبيض فقط  بل بدفء ومحبة وإخلاص في العمل.
المتطوعون الفلسطينيون في كل مكان نزلوا إلى الميدان أيضاً شباب غزة، شباب سرية رام الله، ومتطوعون من شباب الدفع الرباعي من كافة محافظات الوطن تركوا بيوتهم لينعم غيرهم بالراحة والأمان بدون مقابل، فوحدوا الوطن ووحدوا الإنسانية بالعمل لتحقيق الذات ورد الجميل فتفوقوا على الكلام بالفعل… وما أجمل كلمة شباب.. فالشباب ثروة وثورة.
كل ما عليك هو أن تخلع نعلي اليأس والتذمر وأن تمضي الى الميدان... عليك أن تواصل المسير لأن الحرب طويلة... عليك ان تأقلم نفسك على ما أراده الله وتؤدي دورك للوطن وللأم الأولى… الحرب لا تعني سيفا دائما فزمن السيوف والخيول أدلي عليه الستار… اليوم حربك مع ذاتك.. ولا تسأل كثيراً عن عدم وجود قمر واحد في ليلتنا الحالكة وتنسى كل هذه النجوم .. لعل الشمس لا تطول.. إلى ذلك الحين أضيئوا نجوم ذاتكم في سماء وطن اشتاق لكم ولنوركم.

للتواصل:
بريد الكتروني mehdawi78@yahoo.com
فيسبوك RamiMehdawiPage