تاريخ النشر: 10 كانون الثاني 2015


آراء
معركة وطنية مفتوحة
الكاتب: صادق الشافعي


هل كانت خطة الذهاب الى مجلس الأمن كبداية ومقدمة لتحرك واسع نحو المجتمع الدولي ومؤسساته الشرعية، ثم الإصرار على تقديم مشروع القرار العربي/ الفلسطيني الى مجلس الأمن للتصويت عليه بداية لمعركة نضالية مفتوحة بأدوات السياسة والدبلوماسية والقانون الدولي الى جانب أشكال النضال الأخرى؟                                                                            
الإسرائيليون، ومعهم الأميركيون بالذات، اعتبروها كذلك، بالذات وقد تمت الخطة على الرغم من النصائح ثم التهديدات الأميركية بوقفها، وعلى الرغم من التهديدات الإسرائيلية المنفلتة من كل عقال.                                                                
والقيادة الفلسطينية أيضا، تعتبرها كذلك، كما أكّدتها بجلاء، على لسان كبير المفاوضين في مقابلة له مع فضائية الميادين.                                                                                                
تعبيرات الموقف الأميركي جاءت بأعلى درجات الوضوح والشدة، وربما بأكثر مما يتطلبه الموقف. والا فلماذا ذهبت في تصويت مجلس الأمن الى الرفض وكان يكفيها ان تكون مع الممتنعين على التصويت، فالقرار لم يحصل على الأصوات التسعة اللازمة لنجاحه بما يجنبها الاضطرار للتصويت بالرفض.                                                                                 
لقد تعمدت أميركا التصويت بالرفض لأنها أرادت من وراء ذلك، بالدرجة الأولى ايصال رسالة الى الطرف الفلسطيني شديدة الوضوح والقوة بانها تقاوم الخطة الفلسطينية  بخطوتها الحالية وبخطواتها المتوقعة اللاحقة. وأرادت من وراء ذلك ايضا، توجيه رسالة مزدوجة الى اسرائيل والى قوى الضغط الأميركية المناصرة لها بانها تقوم بواجبها على اكمل وجه.                                                                                                         
ان الاساس الذي ينبني عليه الموقف الاميركي هو الاصرار على التفرد بالتعاطي مع الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي والتمسك باستمرار وكالتها الحصرية لكل أموره وتفاصيله، في وقت انتهى فيه عصر الوكالات الحصرية حتى بالتجارة. وحتى تبقى متحكمة بكل جوانبه وضامنة لها وقادرة على تجييرها لصالح العدو الصهيوني بعيداً عن مشاركة، وربما ممانعة او تشويش، قوى اخرى متعددة وغير مضمونة المواقف، والاهم بعيدا عن مؤسسات الشرعية الدولية وقراراتها.                                                             وتعبيرات الموقف الإسرائيلي اكثر من ان تعد او تحصى: تهديد ووعيد من كل صنف ونوع، ومن كل المستويات، وأصبح الموقف من التحرك الفلسطيني ومجابهته مادة دسمة على مائدة المعارك الانتخابية الدائرة على أشدها ومزايداتها.                                                                    
ليست المساءلة القانونية هي وحدها ما تخشاه إسرائيل، بل هي تشارك الموقف الأميركي في الخشية من انتهاء الوكالة الأميركية الحصرية، كما الخشية من عودة القضية الفلسطينية الى الشرعية الدولية وقراراتها وهيئاتها ومواثيقها، في الوقت الذي تتقوى فيه حركة المجتمع الدولي بتعبيراتها المختلفة ضد استمرار الاحتلال ولصالح الحقوق الفلسطينية وأولها الدولة المستقلة، وبما يساعد على اتساع هذه الحركة وإكسابها مزيداً من القوة والتأثير.
في الجانب الفلسطيني يمكن فرز ثلاثة تعبيرات: الأول لفريق يوافق على التحرك ويدعمه بوصفه شكلاً من أشكال النضال والمقاومة. والثاني، لفريق يوافق على التحرك لجهة المبدأ ويدعمه بنفس منطق الأول، ولكنه ومن دوافع الحرص الوطني يمارس حقه الديموقراطي في مراقبة المواقف والخطوات التنفيذية ويعلن رفضه المعلن لبعضها على قاعدة حماية السلطة، او منعها، من تنازلات ضارة يخشى ان  تقدم عليها. اما الثالث فهو لفريق بعضه «قاطع كارت» لقيادة السلطة والمنظمة لا يقبلون منها شيئاً ولا يوافقون لها على شيء ولا يرون فيما تقوم به أي صواب ولا يتوقعون له الا الفشل والسقوط، وقلّة منهم تصل الى اتهامات بالتفريط. هناك في هذا الفريق، من ينطلق من قناعات قصووية وتمسك بالمطالب والحقوق الأصلية ولا يقبل التعاطي مع مقولات الواقعية والمرحلية والظروف الموضوعية وتوازن القوى والوضع الدولي وغيرها، وغالبية هؤلاء هم شخوص وطنية أو ذات تاريخ وطني. لكن هناك آخرين في هذا الفريق من تنبع مواقفهم من حسابات تنظيمية سياسية تخدم صراعهم لفرض برامجهم وقيادتهم وهم يراكمون على هذا الطريق رفضهم الدائم  لسياسات وممارسات ومشاريع القيادة الحالية وتشكيكهم بدوافعها وكيل الاتهامات المسبقة لمراميها ونتائجها.                                                                
يبقى الفريق الفلسطيني الأهم وصاحب الموقف الحاسم، وهو جمهرة الناس الواسعة، جموع أهل الوطن وأصحابه. خصوصاً وان هذا الفريق هو من ستقع عليه تهديدات وعقوبات دولة الاحتلال ومعها اميركا ومن قد يتجاوب معهما، وهي عقوبات يتوقع لها ان تكون قاسية ومتنوعة: من الحجب المالي بهدف التجويع، الى اشكال المنع والإغلاق بهدف الخنق، الى تصعيد الاستيطان الى الاعتقال والتنكيل وسلب الحقوق والحريات وغير ذلك مما في جراب الحاوي.                                                                                                      
وقد أثبتت كل التجارب ان جمهرة الناس الواسعة كانت ولا تزال الآن، قادرة على تحمل كل ذلك وتحديه والصمود في وجهة والتعامل معه كمعركة مواجهة وطنية بكل معانيها وأبعادها.              
وحتى يتحقق ذلك فلا بد من توفر شرطين أساسيين:                                                        
الأول، هو ثبات القيادة السياسية على مواقفها وتمسكها بثوابتها وخوض معركتها الدولية الى مداها الكامل، وان يتم ذلك على قاعدة الوحدة والتشارك والديموقراطية في تحديد الموقف وإقرار التحرك واتخاذ القرار.                                                                                   
والثاني، هو الوضوح والشفافية مع جمهرة الناس. فمن حق الناس ان تكون على معرفة بأمور تتعلق بها وبحياتها ومصيرها قبل اي شيء.                                                            
ويلعب دوراً إيجابياً مهما جدا في هذه المعركة الوطنية لو نجحت القيادة في انهاء القضايا الثانوية في قطاع غزة لصالح تركيز الجهود على قضية الإعمار ووضعها في اطارها الصحيح كمعركة وطنية مع العدو المتحكم الاول بها والمعيق الاول لها، ثم كقضية متابعة موحدة مع الدول المانحة، وليست كقضية صراع بين قوى فلسطينية متنافسة.                                                
اذا تحققت هذه الشروط، اضافة الى الموقف العربي الداعم، والعوامل المساعدة الأخرى، فيمكن خوض هذه المعركة والنجاح فيها مهما طالت ومهما كانت العراقيل والصعوبات والعقوبات. والبداية تأتي من الطرف الفلسطيني.