هناك ما يدفعنا - من واقع التجربة السياسية الفلسطينية المحضة - إلى القول إنه ليس هناك من حزب أو تنظيم سياسي يفشل كمعارض، يمكنه أن ينجح كحزب حاكم، ذلك أن الحزب أو التنظيم الذي يدير لعبة السياسة بكل تفاصيلها، وهو على مقاعد المعارضة بشكل جيد، يمكنه أن يتقن لعبة السياسة، وبالتالي أن يكون مؤهلاً ليتحمل مسؤولية الدولة التي سيصبح حاكماً أو قائداً حتى مديراً لشؤونها السياسية العامة.
لا نظن مطلقاً بأن هناك حزباً سياسياً، في أي بلد ديمقراطي فشل في إدارة شؤون المعارضة السياسية، ومن ثم نجح في إقناع الناخبين بالتصويت له، وبالتالي تحول إلى حزب حاكم. وبالطبع هذا الأمر لا ينطبق على الدول أو المجتمعات غير الديمقراطية، والتي تتعرض للانقلابات العسكرية عادة، وبالتالي هي أصلاً لا تعرف أحزاباً سياسية حقيقية، وربما أنها ليست بحاجة إليها أصلاً، وإذا ما حصلت - استثناءات - من قبيل أن ينجح حزب حديث العهد بالسياسة، أو غير مجرب من قبل الناخبين لأي سبب، من قبيل سخط الناخبين على حزب حاكم تولى الحكم لسنوات طويلة/ متواصلة، فإن تجربة الحزب الجديد في الحكم تكون حكماً على استمراره في الحكم من عدمه.
نقول هذه المقدمة الطويلة، للإشارة إلى ما تتسم به سياسة حركة حماس المعارضة للسلطة، حتى وهي شريك فيها، والتي تفتقر إلى أمور عديدة، منها الدقة والمسؤولية، والاعتماد الدائم على المواقف العابرة التي تكاد تكون مجرد تعليقات على مواقف سياسية!
آخر ما أثار الانتباه في هذا السياق هو رد فعل قادة حماس على الاجتماع الثاني لحكومة التوافق في غزة، حيث استقبلته أوساطهم بالتظاهرات وإغلاق الممر المؤدي إلى مكان الاجتماع، وهذا أمر يمكن وصفه بأنه يجيء ضمن سياسة "حماس" بإظهار موقف مزدوج إزاء استمرار تحكمها الميداني بمقاليد الحكم في غزة، في الوقت الذي تتحلل فيه من تبعات الأمر حين تهدد وتحاول الضغط على حكومة السلطة، لتحقيق مآربها المطلبية بالانفلات الأمني!
وبعد أن هدد موسى أبو مرزوق قبل وقت بعودة "حماس" إلى حكم غزة - رسمياً يقصد بالطبع - كان رد فعل خليل الحية منفلتا ومثيرا إزاء ما أعلنه الناطق باسم الحكومة، في سياق البحث عن حل لموظفي "حماس" الذين قامت بتعيينهم دون المعايير المالية والفنية للوظيفة العامة، ودون بالطبع الأخذ بعين الاعتبار بميزانية أو خطط السلطة، من دعوة الحكومة لموظفيها الشرعيين/ الأصليين بالعودة إلى وظائفهم، ومن ثم إدخال موظفي "حماس" في الشواغر، واعتبار الحية ذلك خطاً أحمر، يهدد بحرب داخلية!
وزاد على هذا - فيما يبدو انه سباق بين قادة "حماس" على الظفر بتأييد مناصريهم وموظفيهم - رئيس حكومة "حماس" السابق إسماعيل هنية بالقول إن حكومة السلطة تجمع نحو 70 مليون دولار كضرائب داخلية، وهذا يكفي لتغطية احتياجات القطاع فيما يخص الخدمات العامة من كهرباء ورواتب، ونسي الرجل انه كان رئيساً للحكومة العاشرة لمدة عام، ومن ثم رئيس لحكومة غزة لمدة سبعة أعوام، ولم ينجح، رغم أن السلطة المركزية استمرت حتى مع الانقسام بتغطية احتياجات التعليم والصحة وغيرها في غزة، لا في توفير الكهرباء ولا في توفير مرتبات موظفيه ورغم أن حكومته وحركته كانتا تتلقيان، إضافة لذات الضرائب التي يتحدث عنها، مساعدات مالية من أكثر من جهة خارجية.
أخطر ما في خطاب "حماس" المعارض مع ذلك هو استمرار الحديث وكأنها "ممثل" قطاع غزة، واستمرار هذا الخطاب في التحدث عن غزة، بوصفها جزءاً مقتطعاً أو منفصلاً عن الكل الفلسطيني، بما يوحي باستقرار فكرة الانقسام في عقول وأفكار وأذهان قادة حركة حماس!
إن هذا لا يثير حفيظة حركة فتح أو الفصائل أو حتى السلطة والقيادة الفلسطينية وحسب، بل يثير حفيظة الكل الشعبي الفلسطيني، وعلى نحو خاص أهل قطاع غزة أنفسهم، فهم يعلمون ويدركون أن أحد أهم الأسباب فيما وصلوا إليه، إنما كان تحكم "حماس" بهم، وأنهم يعرفون في الوقت ذاته أن حل مشاكل القطاع الخاصة، لا يكون إلا من خلال إنهاء الاحتلال، وإنهاء الانقسام - بما يتضمنه ضمناً من تحكم "حماس" بالقطاع - وإلا من خلال التوحد مع الكل الفلسطيني.
وهذا يقود وربما بشكل إجباري، وحتى دون رغبة من أحد للتساؤل، إن كان في نهاية المطاف لن يكون هناك حل إلا "بالانقلاب على الانقلاب"، أي "بانقلاب" مضاد على سيطرة أجهزة أمن "حماس"، وعلى سطوة قواتها العسكرية على قطاع غزة، وذلك لإلغاء كل ما ترتب على انقلاب 2007 من نتائج سلبية، ذلك أن "حماس" وحتى اللحظة تبدو غير قادرة على استيعاب الدرس جيدا، فهي تظن أن لعبة السياسة إنما هي لعبة عضلات، يمكن من خلالها فرض ما تراه من خلال التهديد والضغط والإكراه، أو حتى من خلال القبض على اليد الفلسطينية المكلومة، بفعل الاحتلال الإسرائيلي والانحياز الأميركي، ولعمرنا، هذا أشد ما يحزّ بالنفس، لأن الجرح يبقى بالكف، ولأن هذا يؤكد مجدداً على قدرة الإسرائيليين على الدخول من بين الشقوق، ومن بين طيات السذاجة السياسية أو الأنانية السياسية التي ما زالت تسم البعض من الفلسطينيين!
Rajab22@hotmail.com