تاريخ النشر: 06 كانون الثاني 2015


دفاتر الأيام
ابتسامة وعاء الزيت
الكاتب: زياد خدّاش


شخص
ثمة شخص رائع يموت الآن في مكان ما من العالم، وحدها الصدفة من لم تجعله صديقي.

زيت
أمامي، بالضبط أمامي، كان الشاب الفلسطيني الأعرج ذو النطق المتعثر والملابس الفقيرة يقف أمام مجندة إسرائيلية (في حاجز قلنديا)، تجلس خلف زجاج سميك، المجندة المتوترة تشير إلى وعاءَي زيت أصفرين، كانا يجلسان خلف الشاب بصمت بانتظار التحقق من هويتهما.
- شو هاي؟
- هذا زيت.
- شو يعني زيت؟
- يعني زيتون.
- شو زيتون؟.
- يعني زيت.
- شو زيتون وزيت؟ "إنت هبلة" صاحت المجندة من خلف الزجاج، لم ينطق الشاب، وأظنه كبت غضبه لأنها وصفته بهبلة لا أهبل.
خلفي انفجرت حنجرة عجوز فلسطيني: قُللها إنه زيت يعني فلسطين يا ابني. لم يقلها الشاب طبعاً، بل قالها صدى الصرخة التي هزت أركان الحاجز.
ابتسم وعاء الزيت. سكت صوت المجندة، ولم أذهب أنا إلى القدس.

فيضان
على منحدر مستوطنة (بسغوت) أراقب الآن هذا المشهد من نافذة الصف الثامن: مستوطن يحاول قطف كوز صبر، من نبتة صبر موغلة ألواحها في الرسوخ والشوك والخضرة، كلما حاول قطف الكوز لسعته أشواكه، فترتد يده إلى الوراء متذمرة وغاضبة، صعد المستوطن المنحدر إلى مستوطنته خاوي اليدين وعدت أنا إلى طلابي ممتلئاً بحلاوة الأكواز التي وزعتها عليهم كوزاً كوزاً، وسط ذهولهم من مصدر هذا الفيضان من الحلاوة المفاجئة.

غيمة
لأن غيمة قالت لي وهي تلعب الغميضة مع شمس على سطح بيتي: لا تذهب اليوم إلى المدرسة، كان هذا ردي على سؤال مديري على الهاتف: لماذا لم تحضر اليوم يا زياد إلى المدرسة؟
تعودت منذ طفولتي البعيدة أن أصدق كائنين فقط: أمي والغيمة. أمي لأن لها قلب نبي، والغيمة لأن لها قلب إله. أغلق المدير الهاتف في وجهي، وفتحت الغيمة لي قلب العالم.