لم أعثر على شخص من قريب أو بعيد قال، إن هذا العام الذي يوشك على الأفول كان افضل من سابقه. ومن المتوقع ان نصل الى النتيجة ذاتها مع نهاية العام 2015 وهكذا دواليك. الاستثناء القليل الذي اختلف عن بقية السنوات كان بدايات الربيع العربي عندما انتفضت الشعوب العربية ضد الأنظمة المستبدة وشحنت الناس بأمل الانتقال من الاستبداد والتبعية الى الحرية والديمقراطية والاستقلال. لكن سرعان ما أطفأ التحالف المضاد او الثورة المضادة والتدخلات الخارجية ذلك الحلم. وعاد الجميع الى الاتفاق على سوء العام والانتقال من سيئ إلى أسوأ وأكثر سوءاً. متوالية من سيئ إلى أسوأ لها صلة بتوحش العالم أو ما اصطلح على تسميته سطو العولمة المتوحشة على الشعوب، عولمة النهب والحرب والبطش والتمييز والدوس على حقوق البشر، العولمة التي شعارها "الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرا". شعار ينطبق على الدول والشركات والطبقات والقبائل والعائلات والافراد. طالما بقي النظام الذي يتشكل من الثماني الكبار المتوحد ضد الشعوب المتصارع على الحصص والنفوذ على حاله، سنجد في كل عام يقترب من نهايته هو الاسوأ من العام الذي سبقه. وبناء عليه دعونا نترحم على العام 2014 لأنه سيكون افضل من العام 2015. اذا دققنا في لوحة العام 2014 سنجد هذه العناوين:
* 4077 من ضحايا العام 2014 سقطوا بطريقة مفجعة وشديدة القسوة، فهؤلاء ومعظمهم من الفلسطينيين والسوريين اعتقدوا انهم نجوا من قصف الصواريخ والمدافع والغازات السامة ومن الموت في اقبية التعذيب، فوجئوا وقد دهمتهم أمواج البحر وماتوا غرقا، وتوزعت بقايا اجسادهم على شواطئ العالم الحر. هؤلاء ضحايا انظمة الاستبداد، وضحايا الامم المتحدة التي تخاذلت عن توفير الامن والامان والحماية لهم وفي مقدمة ذلك وقف الحرب الهمجية، وضحايا نظام المراقبة الاوروبي الذي اهتم بإبعاد الفارين عن بلدانه اكثر من اهتمامه بإنقاذهم. وضحايا المعارضات البائسة التي لم تبحث جديا في تأمين الحماية لشعوبها.
* إعلان الدولة الإسلامية في العراق وسورية (داعش) وسيطرتها على أجزاء أساسية من البلدين واقترابها من الحدود الاردنية. وفرض سلطة مستبدة ظلامية، سقط على يديها ضحايا قطعت رؤوسهم بوحشية منقطعة النظير، وضحايا رجموا وقطعت أطرافهم، وضحايا من النساء خطفن واغتصبن كسبايا او عبر جهاد النكاح، وأقليات تعرضت للتطهير العرقي، وضحايا عوقبوا بتهمة الردة. هذا الصنف من الضحايا سقط بأيدي القوى الظلامية الفاشية التي سرعان ما أقامت بنية حكم ثيوقراطي واستقطبت قبائل وعشائر من داخل البلدين، وآلاف المتطوعين من بلدان عربية واسلامية وغربية. الاستقطاب والبناء وحسم السيطرة على اجزاء شاسعة وبناء قوة هجومية كان محط تساؤل. فلا يمكن عزل هذا النجاح السريع عن طبيعة النظامين المستبدين الطائفيين اللذين خلقا البيئة المواتية لنمو الفاشية الدينية. وساهما في انتاج هذا اللون من المعارضة الذي يشكل الوجه الآخر للاستبداد. كما ان ثقافة داعش المنتشرة او المسكوت عنها والمتواطأ معها من قبل دول ونخب سياسية وثقافية هي التي مكنت هذا التنظيم من السيطرة والحسم والانتشار. ثقافة داعش منتشرة في دول المنطقة العربية والإسلامية ووسط الجاليات العربية والاسلامية في الغرب. فعندما يحاكم الشاب محمد الشيخ ولد امخيطير (28 سنة) بتهمة "الردة في موريتانيا ويحكم عليه بالموت. وعندما تتهم الكاتبة والشاعرة فاطمة ناعوت بالإساءة للدين لانها نقدت فيه الاضحيات في عيد الاضحى وستحاكم بهذه التهمة، وعندما تطرد مدرسة العلوم من مدرسة في رام الله لأنها شرحت لطلابها نظرية داروين. هذه الامثلة وغيرها تؤكد ان ثقافة داعش تشكل رافعة لسيطرتها واستمرارها وانتشارها في طول وعرض المنطقة. المؤيدون والصامتون على ثقافة داعش مسؤولون عن هذا التحول وعن الضحايا. وسياسة الهيمنة الاميركية التي فرضت علاقات تبعية وسيطرت على بلدان المنطقة ومواردها وأسواقها بصيغة من الاستعمار المستدام القائم على النهب والاخضاع وحجب التطور، هذه السياسة الامبريالية ساهمت بدورها في انتاج السلطة الفاشية الداعشية.
* الثلث الاخير من العام 2014 شهد عودة للتدخل العسكري الاميركي والغربي ضمن حلف يضم عشرات البلدان بعد الانكفاء من العراق وافغانستان. لا يمضي يوم إلا وتغير طائرات الحلف على مواقع في سورية والعراق. وعاد 3 آلاف جندي اميركي الى العراق لترميم الجيش العراقي المنهار الذي تربى بأيد أميركية. واصطف النظام السوري والنظام الايراني وحزب الله مع الحلف بطريقة "السير منفردين والضرب معا" وتلاشت مفردات التدخل الاجنبي من خطاب الممانعة التي صمتت صمت القبور على انتهاك سيادتها. كما الانظمة المستبدة التي طرحت حلا واحدا للصراع مع شعبها ومعارضته هو الحسم العسكري، طرح الحلف الاميركي ضد الارهاب الحل العسكري حلا وحيدا للصراع في هذه المنطقة. إن الاغفال المزدوج للحلف وللأنظمة المطالب المشروعة للشعوب سيؤدي الى مفاقمة الصراع.
* تغول إرهاب الدولة الإسرائيلية الذي ينافس ارهاب الفاشية الدينية والأنظمة المستبدة في العام 2014. خمسون يوما من حرب الدمار والموت قضت على عشرات العائلات في قطاع غزة وقتلت اكثر من 600 طفل 350 امرأة وفتاة حوالي ألف مواطن مدني وشردت 400 الف مواطن دمرت او تضررت بيوتهم. ضحايا ارهاب الدولة كانوا الأكثر هذا العام والأكثر معاناة. ضحايا ومشاريع ضحايا في تزايد لطالما بقيت هذه الدولة فوق القانون، ويسمح لها باستباحة الأرض والشعب وبمعاقبة الحركة السياسية التي تجرأت على مطالبة النظام الدولي بإنهاء الاحتلال
* انتشار وباء الايبولا القاتل في القارة الافريقية وموت 6 آلاف وإصابة ما لا يقل عن 17 الف وعجز العالم عن ايجاد العلاج ووقف انتشاره. مأساة ضحايا الايبولا لا تقل سوء عن ضحايا البحر وقطاع غزة وضحايا داعش، كلها تلتقي عند عجز وتواطؤ وعدم اكتراث النظام الدولي المهيمن بأمن الشعوب.
الانحدار سيستمر ما لم تتدخل الشعوب لتصويب المسار والدفاع عن مصالحها. الانتفاضات التي سرقت كانت بحاجة الى جهاز ديمقراطي مستقل يقودها ويواصل خلق مقومات الخروج من قبضة النظام المستبد وعلاقات التبعية. وقوى المعارضة التي اعتمدت على التدخل والدعم الخارجي أصبحت جزءاً من الأزمة.
Mohanned_t@yahoo.com