تاريخ النشر: 25 كانون الأول 2014


آراء
مصر وقطر: المصالحة المستحيلة
الكاتب: عبد المجيد سويلم

الاستحالة هنا ليست من باب التمني وإنما من باب وصف الحال وتشخيص الواقع، هذا أولاً.
ثانياً: ليس لقطر مطالب خاصة «لتحقيق» هذه المصالحة بحدود ما هو مُعلن حتى الان وبحدود ما نعرف ايضاً، في حين ان المراقبين يجمعون على ان لدى مصر رزمة كبيرة من المطالب قبل الحديث عن اي نوع من انواع المصالحة بين البلدين.
أما ثالثاً، فإن القرار بشأن المصالحة هو بالاساس قرار خليجي وقرار اميركي.
بلدان الخليج العربي وبدون مواربة طلبت من قطر التوقف عن الحملات الاعلامية ضد مصر وضد ثورة الثلاثين من يونيو وضد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ولم يتوقف الأمر عند حدود الطلب وانما وصلت الى حدود سحب السفراء وتحديد مواعيد زمنية ملزمة للطرف القطري بهذا الشأن.
كما اوضحت دول الخليج بلسان سعودي واماراتي واضح وبلسان كويتي دبلوماسي أن وقف الحملات الإعلامية ضد مصر هو مجرد بداية، والمطلوب عقب ذلك مباشرة: التوقف عن دعم الاخوان المسلمين في مصر مادياً وسياسياً، والتوقف عن دعم الجماعات الاسلامية المعادية للنظام المصري، والتوقف عن دعم الجماعات المسلحة في ليبيا لما يشكل ذلك من خطر على الدولة الليبية الناشئة وعلى الأمن القومي المصري، اضافة الى ضرورة محاصرة نشاط قيادات الاخوان في قطر على طريق ترحيلهم الى تركيا لمن يشاء منهم او منعهم من ممارسة السياسة المعادية لمصر في قطر نفسها.
كما يقال هنا ان بلدان الخليج طلبت من قطر تعديل موقفها بالكامل في كل من سورية والعراق والتوقف عن اللعب في ورقة حركة حماس لتعطيل المصالحة الفلسطينية الفلسطينية.
في هذا الاطار جاءت المبادرة السعودية الاخيرة، وفي نفس هذا الاطار جاءت زيارة المبعوثين السعودي والقطر واللقاء الذي جمعهما بالرئيس المصري.
الدليل الأكبر على كل ذلك أن اللقاء المصري القطري الأول جاء على مستوى الأمن وعلى مستوى المخابرات العامة تحديداً.
أما الولايات المتحدة فكما هو معروف حاولت ان تعيق تقدم مصر نحو تجاوز مرحلة ما بعد مرسي ولكنها لم تجد بداً من التسليم بالأمر الواقع.
فقد أفرجت عن الطائرات المصرية وأرسلت عدة وفود (شعبية) واخرى رسمية او شبه رسمية في محاولة التدرج بتقبل الهزيمة للمشروع الاميركي في مواجهة الثورة المصرية الجديدة.
بكل هذه المعاني لم يعد أمام قطر من مفر غير التسليم بالواقع الجديد في مصر وهو الأمر الذي جاء على هيئة تراجعات منظمة على هذا الصعيد.
فقد طلبت قطر من تركيا استقبال قيادات الاخوان فيها، وتوقفت «رسمياً» عن دعم الجماعات الارهابية في ليبيا ورفعت العطاء (رسمياً) عن جبهة النصرة واصبحت تتحدث عن «الخطر» الذي يمثله داعش على عموم المنطقة!!
اضافة الى كل ذلك أوقفت بث قناة «الجزيرة مصر» وطلبت من تركيا حتى ولو تم ترحيل قيادات الاخوان اليها الفصل ما بين «الاستضافة» وما بين التدخل المباشر في الشؤون المصرية الداخلية كما يشاع في الآونة الأخيرة.
كل هذه الخطوات لم تكن لتتحقق في الواقع لولا ان التهديدات الخليجية قد وصلت الى حدود لا تقوى الدوحة على تحملها ولولا ان الولايات المتحدة قد لوحت للدوحة بمسألتين رئيستين:
الأولى: ضرورة رحيل الفريق الذي «تعهد» للولايات المتحدة بإبرام الاتفاق الاستراتيجي مع الاخوان المسلمين وكانت النتيجة هزيمة الإخوان والأميركان معاً.
أما الثانية: التوقف تدريجياً عن «تصدّر» المشهد السياسي والانكماش السياسي والتراجع عن مزاحمة دول المنطقة الاقليمية الكبيرة او اللعب على التعارضات العربية لخلق توترات من شأنها الاخلال بالمعادلات الداخلية لبعض البلدان الكبرى او حتى المعادلات السياسية في منطقة الاقليم بما يحرج الإدارة الأميركية ويعرض سياساتها ومصالحها ودورها وربما ايضاً مكانتها لأخطار لم يعد من طائل للمغامرة باستمرارها.
قطر لم تعد قادرة على الاستمرار في دور المقاول الاميركي ولم يعد لديها ما تفعله على هذا الصعيد والعطاء الذي كان قد رسا عليها لتدمير المجتمعات العربية وتخريب قدرة البلدان العربية على الانتقال السلبي الى الديمقراطية قد استنفد كل أغراضه بعد نجاح مصر في مسيرتها نحو تجاوز مرحلة الاخوان، وتونس تجاوزت الازمة ودخلت الى المرحلة الديمقراطية بدون الدماء التي كانت تراهن قطر على رؤيتها، ولم يتمكن الاخوان من تصدر المشهد في اي بلد عربي بعد ان هزموا حتى في بلد ليبيا وتبين للناس مدى معاداتهم للديمقراطية والحداثة في كثير من البلدان العربية.
ولكن قطر بالمقابل الذي سحب منها حق استمرار المقاولة تحتاج الى وقت طويل قبل ان تنكمش كما يريد السيد الاميركي وتحتاج الى وقت أطول للانسجام مع المشروع الخليجي بعد ان فقدت القدرة على المناورة في منطقة التناقضات التي تعززت مع بدء ما يسمى بثورات الربيع العربي.
أهدرت قطر على مدى العقدين الأخيرين عشرات المليارات على هيئة مال سياسي مباشر للعبث بأمن وسلامة وتطور الشعوب العربية، وعقدت مع الولايات المتحدة أغرب تحالف عرفته العلاقات الدولية (تأجير قطر كلها للبنتاغون) بدون أجرة، وموّلت كل من كان على استعداد لهدم المجتمعات العربية وإذكاء الفتن الطائفية والجهوية والعرقية فيها، وإقامة علاقات خاصة بل وما بعد الخاصة مع اسرائيل، وفي نفس الوقت جمعت تحت جناحيها كل المتطرفين والمتزمتين والارهابيين و«الثوريين» والمتمردين والمحتجين والمتعطشين والراغبين والانتهازيين علها بذلك تلعب دوراً اقليمياً يتجاوز حجمها فكانت النتيجة الفشل الذريع مع الاعتراف ان حجم الدمار كان كبيراً وما خلفته قطر من ارث يفوق كل انواع العبث.
لن تأمن مصر لقطر ولذلك فالمصالحة مستحيلة اما السماح لتراجع قطر عن كل ما اقترفت أياديها فهذا ممكن ومطلوب.