تاريخ النشر: 13 كانون الأول 2014


آراء
الانتخابات الإسرائيلية... أوان الحسم
الكاتب: صادق الشافعي


انفراط حكومة دولة الاحتلال وبالطريقة الفضائحية التي تمت بها والدعوة الى انتخابات مبكرة تعبر بجلاء عن قناعة الطبقة السياسية في دولة الاحتلال ان الحالة في دوائر الحكم وهيئاته قد وصلت الى درجة تفرض الحسم، بغض النظر لصالح أي اتجاه أو قوى سياسية أو زعامات جاءت نتيجته.                 
 وسواء أعادت الانتخابات البرلمانية المبكرة نتنياهو الى رئاسة الحكومة أو جاءت ببديل له، فإن نجم نتنياهو في الحالتين هوى ودورُه قد أفل. وحتى لو أعادته الانتخابات الى رئاسة الحكومة فسوف يكون في وضع من يجرجر نفسه ودوره نحو سقوط سريع أكثر ضجيجاً.
 صحيح أن مشروع القانون الذي يتبناه نتنياهو ويصر على إقراره والذي يعرّف دولة الاحتلال أنها «الدولة القومية لليهود» قد شكل عنصر التفجير المباشر الذي ادى الى انفراط الحكومة والدعوة الى الانتخابات المبكرة، لكنه لم يكن العنصر الوحيد، وربما ليس الأهم، فهناك مجموعة من العناصر قادت مجتمعة الوصول الى هذه الحالة.
فهناك أولاً، تفكك الحكومة وعدم انسجامها الى درجة ان خلافاتها واتهامات أعضائها المتبادلة قد أخذت بالظهور الى العلن وتحولت الى قضايا جدل وخلاف في أوساط الجمهور ووسائل الإعلام. عدم الانسجام هذا جاء نتيجة طبيعية ومتوقعة للطريقة التي اتُبعت في توليف الحكومة بين متناقضين ورؤوس طامحة، على قاعدة المصالح والمساومات المتبادلة للبقاء، او للدخول، في الحكومة، وبأسلوب تسكين الخلافات في ما بين مكوناتها رغم أساسية وجذرية بعضها، وهذا وضع ما كان يمكن ان يطول في الأحوال العادية، فما بالك مع حال القضايا الأساسية والصعبة التي تواجهها الحكومة.
وضع الحكومة هذا، هو الذي أنتج الخلاف على الميزانية العامة للدولة وحول بنود أساسية أهمها محاولة أطراف تعظيم حصة الجانب العسكري، ومنها موضوع تصفير ضريبة القيمة المضافة على العقارات لتحسين اوضاع الطبقة الوسطى، ومنها المساعدات والإعفاءات لتشكيلات القوى الدينية، وهو الذي انتج الخلاف على تسمية رئيس الأركان الجديد للجيش وتأخير تسميته، وأنتج بعض الخلافات حول المفاوضات مع الفلسطينيين، وكلها تنحصر في الأداء وفي بعض التفاصيل، ولكنها لا تقترب أبداً من الجوهر والمبادئ.
وهو الذي انتج خلافات كثيرة أُخرى، قبل ان تصل الى الخلاف العلني حول مشروع قانون يهودية الدولة المشار إليه. والخلاف على هذا المشروع لم يكن في معظمه على مبدئيته، ولا على تمييزه ضد الفلسطينيين في أراضي 1948 مثلا، بل تركز الخلاف على ضرورته وتوقيته وتأثيره على النظرة الدولية لدولة الاحتلال، وعلى الاستهدافات الحزبية والانتخابية من ورائه. ولأنه ايضا، ضرب وحدة موقف وزراء الحكومة وأحزابهم وأعضاءهم في الكنيست في التصويت لصالح القانون عند طرحه للإقرار.
وهناك ثانياً، الموقف الدولي المتغير بسرعة كبيرة لصالح الحقوق الوطنية  الفلسطينية من جهة، ورفض الاحتلال واستمراره وسياسات الاستيطان والاعتداءات وقمع الحريات بكل أشكالها من جهة ثانية. خصوصا وان هذا التغيير يطال، بل يتركز، في البلدان التي كانت تعتبر معاقل لتأييد دولة الاحتلال ودعمها ومساندتها والتعاون معها، وظلت دائما أرضا لنفوذ مؤسساتها وجالياتها. خصوصا وان العامل الدولي ظل دائما عنصر حياة وأمان وقوة بالنسبة لإسرائيل.
وهناك ثالثا، العلاقة المتوترة مع الإدارة الأميركية، وبشكل خاص وعلني، علاقة نتنياهو مع الرئيس الأميركي أوباما. وقد عبرت هذه العلاقة عن نفسها في مواقف علنية اتخذها نتنياهو وحكومته، ومعه اللوبي اليهودي داخل أميركا المؤتمر بأمره، انحاز فيها ضد أوباما وضد إدارته وضد حزبه الديموقراطي في قضايا خلافية أميركية داخلية وهامة، مثل انتخابات الرئاسة وانتخابات مجلسي الكونجرس.
 ومهما كابرت دولة الاحتلال فإنها لا يمكن لها بأي حال ان تدير ظهرها للولايات المتحدة وإدارتها الحاكمة، ولا أن تستغني عن دعمها وإسنادها، ولا يمكنها ان تتحمل سوء العلاقة معها ولا حتى فتورها.
وهناك رابعا، وصول العلاقة مع الفلسطينيين إلى طريق مسدود لجهة التوصل الى اي اتفاق  نتيجة لمواقف دولة الاحتلال المتعنتة وشروطها التعجيزية، ووصول هذه العلاقة الى درجة عالية من التوتر والصدام والمجابهة العسكرية كما في غزة، والمجابهة الشعبية كما في القدس ومناطق أُخرى، وعلى قاعدة المطالب الفلسطينية المصيرية المحقة مثل إنهاء الاحتلال وحق تقرير المصير واقامة الدولة المستقلة، ووقف الاستيطان، ومثل قضايا القدس والمقدسات. خصوصا وان هذه العلاقة تترافق مع حركة سياسية ودبلوماسية وإعلامية نشطة وديناميكية تقوم بها القيادة السياسية تجاه المجتمع الدولي بمؤسساته الرسمية (الأمم المتحدة ومجلس الأمن) والهيئات والمواثيق المنبثقة عنها، وتجاه الهيئات والمنظمات الأهلية، وتكتسب هذه الحركة في كل يوم أرضاً جديدة وتأييداً متناميا. وهذه الحركة تسبب لدولة الاحتلال قلقاً كبيراً وتخوفاً متزايداً.
العناصر الأربعة المذكورة، وعناصر أُخرى، انتجت الحالة التي تفرض ضرورة الحسم، في محاولة لإنتاج حكومة وأدوات حكم على درجة من الانسجام والفاعلية تستطيع التعامل مع هذه العناصر بانسجام، لكن شكوكا كثيرة وكبيرة تحيط بإمكانية النجاح في هذه المحاولة، فمن الصعب توقع ان تنهي انتخابات عامة الخلافات العميقة والطموحات الحزبية والشخصية التي تضرب قوى الحكم، ومن الأصعب ان تنهي الانتخابات الاتجاه القوي نحو اليمين والعدوانية الذي يسود مجتمع دولة الاحتلال والقوى السياسية فيها، ولأن كل الخلافات تقوم على نفس هذا الأساس وتدور في إطاره.
يبقى في النهاية أمل وضرورة، أن تنجح القوى والأحزاب السياسية الفلسطينية في الاتفاق على قائمة انتخابية واحدة تخوض بها الانتخابات المبكرة. ليس فقط من أجل ضمان وصولها كلها الى الكنيست وبأكبر عدد، وهذا أمر مهم جداً، وإنما أيضاً، لتقديم رسالة هامة في هذا الوقت ان خط سير الفلسطينيين يتجه نحو التوحد.