تاريخ النشر: 01 تشرين الثاني 2025


آراء
من قال إن سباق النووي توقف!؟
الكاتب: هاني عوكل

من كوريا الجنوبية وبينما كان يتباحث مع الرئيس الصيني في قضايا اقتصادية وتجارية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن بلاده ستمضي بسرعة في اختبار ترسانتها النووية، وبالفعل أوعز إلى وزارة الحرب باستئناف هذه التجارب، بعد انقطاع زاد عن الثلاثين عاماً.
إعلان ترامب هذا جاء بعد اختبار روسيا حديثاً مسيّرة تحت الماء قادرة على حمل رؤوس نووية، وصاروخ استراتيجي يمكنه التجول في السماء لمدة غير محدودة ويحمل رؤوساً نووية. مثل هذه الاختبارات أيقظت الحس الأمني عند الرئيس الأميركي!
لقد كانت الترسانة النووية جزءاً من سباق التسلح الذي ترسخ إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي آنذاك، غير أنه اتخذ طابعاً كتوماً خصوصاً بعد المباحثات التي أجريت بين الدول النووية بشأن معاهدة الحد من هذه الأسلحة.
تؤمن واشنطن أن بقاءها في أعلى سلطة العالَم ينطلق من تعزيز إمكاناتها العسكرية، وفي القلب منها تطوير ترسانتها النووية، والرئيس ترامب اعترف بعظمة لسانه أنه جرى تطوير هذه الأسلحة خلال الفترة الرئاسية الأولى مطلع العام 2017.
الصين تسابق الزمن وتمضي بسرعة الصاروخ لإيجاد موطئ قدم يحقق لها الأفضلية العسكرية، وكما يقول ترامب إنها على بعد خمس سنوات من الوصول إلى المرتبة الثانية بعد واشنطن في امتلاك آلاف الرؤوس النووية.
سباق التسلح النووي مختلف في الرؤية عند الدول التي تمتلك هذا النوع من السلاح، إذ لا يعني فرنسا وبريطانيا كثيراً أن تمتلك رؤوسا نووية كثيرة، لكن في المقابل يهمها أن تكون جزءاً من هذا النادي، لأنه سيحقق لها موقعاً في النظام الدولي.
كذلك الحال بالنسبة لباكستان التي بذلت الغالي والرخيص لامتلاك هذا السلاح حتى تحقق نوعاً من التوازن الاستراتيجي في القوة مع نيودلهي وتتجنب أي حرب خاسرة، لكن رؤية الدول الكبار في تعزيز قدراتها النووية تتجاوز مبدأ المحاصصة في لعب الأدوار الدولية.
روسيا تطور أسلحتها النووية وغير النووية حتى تبرهن للغرب أن الدب الروسي ليس من ورق، هذا إلى جانب أن توقيت اختبار الصاروخ النووي الجديد يبعث رسالة مقلقة للغرب الأوروبي أن عليه القبول عاجلاً أم آجلاً باتفاق روسي- أوكراني يحقق المنفعة لموسكو ويضمن سيطرتها على المناطق التي احتلتها من كييف.
صاروخ بوتين هو رسالة تحذيرية لأوروبا وأميركا بأن عليها التروي في مسألة تقديم أسلحة متطورة لكييف، والاقتناع أن روسيا لن تخرج خاسرة من هذه الحرب، وعلى الأغلب أن تواصل موسكو مشوار تطوير وتعزيز أسلحتها النووية.
الصين كذلك تجد في اندفاعها الاقتصادي القوي واعتبارها مصنع العالم، قوة هائلة ينبغي أن تتكافأ مع وضعها العسكري، ولذلك تجدها تخترع أسلحة جد متطورة، وتتدخل في صناعات متقدمة كانت حكراً على دول مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.
مع كل الاختبارات التي تجري حول العالم إنْ على صعيد تعزيز القدرات النووية أو تحديث الترسانة العسكرية، لن يقف الرئيس الأميركي متفرجاً بينما يشاهد صعود التنين الصيني أو الدب الروسي إلى سلم النظام العالمي.
في الأساس لم تتوقف الدول النووية عن تطوير قدراتها خصوصاً فيما يتعلق بتصنيع وتحديث منظومة الصواريخ التي تحمل رؤوساً نووية، وما يجري الحديث عن احتمالات عودة سباق التسلح النووي بعد توقفه هو مجرد كلام فارغ في الهواء.
هناك الكثير من الدول التي تحلم في امتلاك السلاح النووي حتى تضمن مقعداً متقدماً في العالم، وحتى ترعب جيرانها وتنجز ملفات استراتيجية، لكن في المقابل ترى الدول النووية أن امتلاك هذا السلاح ينبغي أن يكون حكراً عليها وأن لا يتجاوزها إلى دول أخرى.
ترامب الأميركي سيدفع باتجاه إجراء تجارب نووية حتى يُخوّف العالم وعلى رأسه الصين وروسيا، وحتى يقول لهم إن بلاده ستبقى في موقع الأفضلية ولن يتجاوزها أحد، ومن المحتمل أن تكون واشنطن قد أدخلت رؤوساً نووية حديثة وكثيرة إلى برنامجها النووي في عصر التسامح النووي ومعاهدات الحد منه.
نحن نعيش في عالم مضطرب في الأساس، ولن يُشكّل فيه إعلان ترامب سوى موجة غضب من بعض الدول ومن جانب الأمم المتحدة المهتمة بالحد من انتشار النووي، وأما عصر التنافس الدولي فهو مفتوح على مصراعيه، وعلى الأغلب أن العالم لن يشهد السلم والأمن الدوليين اللذين تهتف بهما الأمم المتحدة وفي القلب منها مجلس الأمن الدولي.
hokal79@hotmail.com