تاريخ النشر: 29 تشرين الأول 2025

عقبات تهدد خطة ترامب في غزة: ذعر أميركي

بقلم: رون بن يشاي

 لا يبشر استمرار هبوط كبار المسؤولين الأميركيين جوًا في إسرائيل بالخير، ولا يبشر بالسلام الأبدي الذي وعد به الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ولا يبشر أيضًا بالتغيير الإيجابي في الشرق الأوسط الذي أشاد به بنيامين نتنياهو بالفعل. يشير هذا بالأساس إلى حالة من الذعر تسيطر على إدارة واشنطن لعجزها عن إتمام المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي المكونة من عشرين نقطة. فهي لا تتضمن بدايات خطة عمل متفقا عليها من قبل جميع الشركاء، ولا خطة عملية وتمويلًا لتنفيذ المرحلة الثانية.
ينبع الذعر من الخوف من أن نتنياهو - كما فعل بعد صفقة الرهائن السابقة في الشتاء - سيستغل مماطلة «حماس» وتسويفها، وصعوبة تنفيذ المرحلة الثانية، ذريعة (مبررة) لاستئناف الأعمال العدائية. تعلم واشنطن أن وزراء الحكومة الإسرائيلية، وربما نتنياهو نفسه، يعتقدون أن نزع سلاح «حماس» وتطهير قطاع غزة من الأنفاق لا يمكن تحقيقه إلا في حرب شاملة يهزم فيها الجيش الإسرائيلي المنظمة هزيمةً كاملة. إنهم مقتنعون بأن الوضع الحالي، بعد إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء، يمثل فرصة لا تُعوض للتحرك بقوة من الجو وعلى الأرض في جميع أنحاء القطاع، دون خوف من إيذاء الإسرائيليين، حتى يرفع «إرهابيو» غزة الراية البيضاء.
هذا تحديدًا ما يخشاه القطريون والأتراك، المقربون حاليًا من ترامب. ووفقًا لمصادر مطلعة، فقد نجحوا في إقناعه بأنه في حال انهيار وقف إطلاق النار، ستنهار خطته المكونة من عشرين نقطة أيضًا. وفي أحسن الأحوال، سيؤجل تنفيذها طويلًا، ما يعني أن فرص ترامب في فرض نظام جديد في الشرق الأوسط والفوز بجائزة نوبل للسلام ستتأخر كثيرًا.
 وجد ترامب حلاً مبتكراً للذعر الذي اجتاح الإدارة الأميركية، وإن كان بدائياً: «رعاية الأطفال» - رعاية دبلوماسية تُعبّر عن نفسها بإرسال مسؤولين كبار إلى إسرائيل لردع نتنياهو جسدياً عن إطلاق النار وتأخير المساعدات الإنسانية (لم يعد القطار الجوي يضم ستيف ويتكوف وجارد كوشنر، اللذين لا يستطيعان مراقبة نتنياهو عن كثب أثناء سفرهما سعياً للتعاون في الشرق الأوسط). صُممت آلية الرقابة العسكرية الدولية، التي تقودها الولايات المتحدة، والمستقرة في كريات غات، لهذا الغرض. يستخدم عناصرها المعلومات الاستخبارية لضمان عدم قيام الجيش الإسرائيلي و»حماس» باستفزازات قد تقود الى انهيار وقف إطلاق النار. تُجبر الحكومة الإسرائيلية على القبول، بحزم، بوضع يُقيّد فيه الأميركيون أيديها، ويسمحون فعلياً لـ «حماس» بتمديد المرحلة الأولى من الخطة بإطلاق سراح الرهائن الذين لقوا حتفهم دفعة واحدة.
في الوقت نفسه، تُعيد المنظمة بسرعة ترسيخ حكمها المدني وقوتها العسكرية في قطاع غزة، بينما تُرتكب فظائع تهدف إلى استعادة السيطرة على نحو مليوني غزي عبر بثّ الخوف. مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، ووصول التقارير المصورة عن فظائع «حماس» صرّح ترامب للصحافيين بأنه لا يعتقد بضرورة معارضة الحماية المؤقتة التي تُقدمها المنظمة للسكان. فقط بعد ازدياد تدفق مقاطع الفيديو التي تُصوّرها «حماس» وتُوزّعها لعمليات الإعدام الجماعية، أدرك البيت الأبيض، وربما القطريون، أن محمييهم قد بالغوا. على الأقل في الوقت الحالي انخفضت بشكل ملحوظ الفظائع التي تُرتكب على مرأى ومسمع من الجميع في شوارع قطاع غزة بحجة محاربة العصابات الإجرامية.
الجيش الإسرائيلي يطلب الإذن
تُسيطر «حماس» الآن على 43 في المئة من أراضي قطاع غزة ومعظم سكانه. يُطلق الأميركيون على هذه المنطقة، الواقعة غرب «الخط الأصفر»، الذي ينسحب إليه الجيش الإسرائيلي، اسم «المنطقة الحمراء». وفقًا للقواعد التي وضعها الجيش الإسرائيلي، بالتشاور مع كبار مسؤولي هيئة الأركان العامة الإسرائيلية، يُحظر عليه شنّ عمليات هجومية مكثفة في هذه المنطقة. ويُسمح للجنود فقط بإطلاق النار دفاعًا عن النفس في حال تعرضهم لهجوم من المنطقة. لكن الجيش الإسرائيلي مُلزم، من خلال آلية التنسيق والإشراف، بإخطار الأميركيين - وطلب الإذن منهم - بأي «عملية هجومية استثنائية» في المنطقة.
المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي شرق الخط الأصفر (وكذلك في قطاعات ضيقة شماله وجنوبه) يُطلق عليها الأميركيون اسم «المنطقة الخضراء». تُشكل هذه المنطقة 57 في المئة من أراضي القطاع الخاضعة للسيطرة الكاملة للجيش الإسرائيلي. يعيش فيها حاليًا حوالي 200 ألف غزي فقط، معظمهم من أفراد العشائر والجماعات المسلحة (بما في ذلك العصابات الإجرامية) المعارضة لـ «حماس».
في هذه المنطقة يُنفّذ الجيش الإسرائيلي، حتى خلال وقف إطلاق النار، عملياتٍ مُتسارعة لكشف وتدمير الأنفاق والبنى التحتية «الإرهابية» الأخرى. ويواجه بين الحين والآخر مجموعاتٍ من «حماس» و»الجهاد الإسلامي» لا تزال محاصرة في الأنفاق، وفي حالاتٍ نادرة، يُهاجمون جنود الجيش الإسرائيلي. تعليمات إطلاق النار في هذه المنطقة واضحةٌ لا لبس فيها: إطلاق النار على أي شخصٍ أو أي شيء يُعرّض القوة للخطر دون الحاجة إلى طلب إذنٍ من الجهات العليا.
يتمحور الخلاف الرئيسي بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول التباطؤ المُتعمّد في إطلاق سراح المخطوفين القتلى. وقد اقتنع كبار المسؤولين الأميركيين، بقيادة نائب الرئيس فانس، الذين تلقوا إحاطاتٍ من رئيس الأركان وكبار مسؤولي الأمن، بصحة الادعاء الإسرائيلي حول التأخير المُتعمّد من جانب «حماس». ولذلك، في نهاية الأسبوع، حصلت إسرائيل على الضوء الأخضر لتأخير بعض المساعدات الإنسانية ومنع فتح معبر رفح للضغط عليها. على أي حال، فإن القدس وواشنطن على يقين تام بأن المرحلة (أ) من خطة ترامب ستُنفذ بالكامل، ولكن وفق جدول زمني أبطأ من المخطط له. ماذا سيحدث في المرحلة (ب) من الخطة؟ هل يُمكن تنفيذها أصلًا؟ هذا هو المجهول الكبير الذي يُقلق الجميع، وخاصة البيت الأبيض.
تزعم مصادر أجنبية وإسرائيلية أن عقبتين أساسيتين تُعيقان حاليًا جهود ويتكوف وكوشنر وقائد القيادة المركزية الأميركية برادلي كوبر لتنفيذ الخطة: الأولى هي رفض «حماس» نزع سلاحها وإصرارها على البقاء في غزة قوة مهيمنة، حتى لو كان ذلك خلف الكواليس. أما العقبة الثانية فتتعلق بإصرار الحكومة الإسرائيلية على عدم إشراك السلطة الفلسطينية في الحكم المدني، وعلى دخول قوات إنفاذ القانون الفلسطينية (الشرطة) إلى القطاع بعد تدريبها في الأردن ومصر بمساعدة الولايات المتحدة.
عقبة تجريد القطاع من السلاح
وإن كانت «حماس» أعلنت موافقتها على خطة النقاط العشرين التي تتضمن مطلبًا بنزع سلاح القطاع، لكنها تقترح الآن صيغة مبتكرة لحل هذه المشكلة: أولًا، سيتم نزع سلاح القطاع من الأسلحة الهجومية الثقيلة فقط (الصواريخ، والصواريخ المضادة للدبابات، والطائرات المُسيرة)، وليس من أسلحة «الدفاع عن النفس». بمعنى آخر، ستحتفظ «حماس» ببنادق الكلاشينكوف وM16، وصواريخ آر بي جي، وقاذفات القنابل، والمتفجرات (تعمل «حماس» بالفعل بنشاط على جمع آلاف الذخائر غير المنفجرة المتبقية في القطاع واستخراج المتفجرات منها لإنتاج عبوات ناسفة بدائية). ويعني ذلك شقين: ستتمكن «حماس» من السيطرة على السكان بقوة السلاح، كما فعل «حزب الله» في لبنان، وشن حرب عصابات ضد إسرائيل.
ينص البند الثاني في صيغة «حماس» على أن الحركة توافق على نزع سلاح المقاومة لديها بالكامل فقط إذا سُلّم إلى الفلسطينيين. وبتعبير أدق، لن تنزع «حماس» سلاحها بالكامل إلا إذا استطاعت تسليمه إلى الدولة الفلسطينية، عند قيامها مستقبلاً. هذا المطلب، الذي تدعمه قطر وتركيا، وربما مصر، يعني أن «حماس» لن تنزع سلاحها إلا رمزياً، بتسليم أسلحتها الهجومية الثقيلة (التي دُمّر معظمها في الحرب أصلاً) إلى دولة عربية صديقة.
لهذا السبب، فإن الغالبية العظمى من الدول الإسلامية، التي وعدت بإرسال قوات إلى «قوة الاستقرار متعددة الجنسيات» التي ستُنشر في غزة، تتلكأ الآن وتتهرب من التدخل الأميركي عندما يقترب منها. تخشى معظم هذه الدول أن يُجبر جنودها على قتال «حماس» لنزع سلاحها وتكبد خسائر بشرية، أو أن تُعرّضهم لخطر الغارات الجوية الإسرائيلية على المنظمة التي تُصر على إعادة تأهيل نفسها.
في الوقت نفسه ترفض الإمارات والمملكة العربية السعودية استثمار عشرات المليارات التي وعدتا بها لإعادة إعمار غزة طالما أن «حماس» المُسلحة حتى بالأسلحة الخفيفة موجودة في القطاع، وقد تُثير، من خلال عمليات حرب العصابات، إسرائيل لاستئناف القتال والتدمير. تخشى الدول السُنية المعتدلة أن تذهب استثماراتها أدراج الرياح، مرة أخرى.
معارضة تدخل السلطة الفلسطينية
يخشى نتنياهو والحكومة اليمينية التي يرأسها من أن تكون عودة رجال أبو مازن إلى غزة خطوة عملية أولى نحو إقامة دولة فلسطينية في القطاع وفي أجزاء كبيرة من الضفة الغربية. لإرضاء ترامب، تُعلن إسرائيل موافقتها على اقتراحه بمشاركة السلطة الفلسطينية في حكم غزة، ولكن فقط بعد خضوعها لإصلاحات شاملة تشمل القضاء على الفساد، ووقف دفع رواتب «الإرهابيين»، ووقف التعليم الذي يُنمّي كراهية إسرائيل. هذا خط أحمر لنتنياهو. في القدس، يعتقدون - بل هم على يقين - أن هذا التغيير في السلطة الفلسطينية لن يحدث أبدًا، وبالتالي لا مشكلة في طرحه. لكن هنا أيضًا لا توافق السعودية والإمارات على أي تدخل في القطاع دون شرعية أبو مازن، أي دون أن تكون السلطة الفلسطينية جزءًا من الحكومة التي ستحل محل «حماس».
في الواقع، قطر وتركيا مستعدتان للمشاركة في القوة متعددة الجنسيات وجني ثمار إعادة إعمار القطاع دون شروط، لكن إسرائيل لا ترغب في وجود مسلح، أو حتى مدني، لهاتين الجهتين، اللتين تنتميان أساسًا إلى جماعة «الإخوان المسلمين» وهما داعمتان لـ «حماس» سابقًا وحاضرًا. ووفقًا لمصادر أمنية، كلما زاد انخراطهما في القطاع زادت قدرة «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، تحت غطاء إزالة الأنقاض وأعمال البناء، على استعادة وتحسين قدرات الإنتاج العسكري وشبكة الأنفاق.
يبدو أن هاتين العقبتين اللتين تعترضان تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب غير قابلتين للتجاوز. وهما ليستا العقبتين الوحيدتين. يواجه إنشاء «قوة الاستقرار متعددة الجنسيات» صعوبات سياسية وأسئلة مطروحة تتجاوز ما ذُكر آنفًا: ما هو مصدر صلاحيات القوة وما هي صلاحياتها؟ هل ستكون هناك حاجة للقوة لنزع سلاح «حماس» ونزع سلاح القطاع؟ هل سيُسمح لها بإطلاق النار؟ أين ستنتشر عند انسحاب الجيش الإسرائيلي؟ وما الذي يمكن للجيش الإسرائيلي فعله لإحباط أنشطة «حماس» «الإرهابية» والعصاباتية عند نشر القوة متعددة الجنسيات في القطاع؟
ولا يزال الوضع متأزما
ثمة إشكالية أخرى تتعلق بـ»حكومة الخبراء الفلسطينية» التي تسعى مصر إلى تشكيلها، والتي يُفترض أنها بدون «حماس»، وأيضًا - بناءً على طلب إسرائيل - بدون السلطة. تشمل القائمة التي أعلنها وزير الخارجية المصري أشخاصًا حصلوا على موافقة «حماس»، ومن المرجح أنهم سيخدمون الحركة أيضًا، كما يفعل ممثلو «حزب الله» في الحكومة اللبنانية. بشكل عام، لم تتمكن مصر حتى الآن من التوصل إلى اتفاقات بين «حماس» و»فتح» تسمح بتشكيل حكومة خبراء، رغم غضب إسرائيل.
ومن القضايا الأخرى التي لم تُحل بعدُ مسألة من سيمول وينفذ أعمال إعادة الإعمار في قطاع غزة، حيث 76في المئة من المباني مدمرة أو غير صالحة للسكن، وأين سيسكن أهالي غزة حتى ذلك الحين. يقترح كوشنر أن تبدأ أعمال إعادة الإعمار في «المنطقة الخضراء» التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي حاليًا. ولكن ماذا سيحدث لجهود إعادة الإعمار إذا تم تشكيل القوة متعددة الجنسيات وحكومة الخبراء أخيرًا، واضطر الجيش الإسرائيلي إلى الانسحاب من المنطقة؟
في الوقت الحالي، لا أحد يملك إجابة عملية على جميع هذه الأسئلة. لذلك، من المتوقع أن يواصل البيت الأبيض التركيز على الضغط على نتنياهو لعدم استئناف إطلاق النار، وفي الوقت نفسه مواصلة المفاوضات مع «حماس» (عبر وسطاء أو بشكل مباشر) بشأن نزع السلاح من قطاع غزة وغيرها من القضايا المتعلقة بتنفيذ المرحلة الثانية.
إذا تم التوصل إلى تسوية بين الأميركيين و»حماس» والوسطاء، فسيكون ذلك حتمًا على حساب مصالح إسرائيل. وإذا لم يتم التوصل إلى تسوية، فقد يستأنف القتال وقد تفقد إسرائيل اهتمام ترامب. أو الأسوأ من ذلك: قد ينقلب عليها ويحرمها ليس فقط من المساعدات العسكرية، بل أيضًا من بقية شرعيتها في العالم.
لا تزال إسرائيل تتمتع بنفوذ تعترف به الإدارة: فالقدس تشترط إعادة إعمار القطاع بترتيب يلبي مصالحها الأمنية والسياسية. لذا، لم يتم خسران كل شيء. ولكن لإحداث تغيير جذري في هذا الوضع غير المتفائل، يجب على الحكومة أن تأخذ زمام المبادرة: يمكن لنتنياهو (في عام انتخابي!) أن يوافق على مشاركة السلطة الفلسطينية العلنية في الحكم المدني والأمني ​​لغزة، وفي المقابل تحصل إسرائيل على حرية عمل عملياتية في القطاع، كما هو الحال حاليًا في لبنان. يمكن لمثل هذا الترتيب أن يعيد الدول السُنية المعتدلة إلى المشاركة الفعالة في القطاع، ويبعد قطر وتركيا.

 عن «يديعوت»