تاريخ النشر: 26 تشرين الأول 2025


آراء
إسـرائـيـل وحـجـمـهـا...!
الكاتب: أكرم عطا الله

نتابع فوضوية الرئيس الأميركي الذي عفر غبار السياسة في وجه الجميع، ولا يتوقف كل يوم عن إدهاش المراقبين والمشتغلين في حقل السياسة، وأيضاً المواطن العادي الذي يتابع بنوع من السخرية رئيساً يرد على تظاهرات شعبه  بمقطع فيديو يقوم فيه بارتداء تاج الملوك ليلقي عليهم القاذورات.
لكن يحسب للرئيس الأميركي أنه الرئيس شديد الوضوح في كثير من القضايا، هو مخادع لكنه ليس ماكراً، فقد كشف عفن السياسة التي كانت تخفيها مساحيق التجميل الأميركية لعقود وهي تقدم نفسها كبلد الحرية مرة ووسيطاً للسلام مرة لكن الثابت هو العكس. هذا ما كشفته بوضوح شديد تسعة أشهر من ولاية الرئيس القادم من عالم العقارات والمضاربات ومؤلف كتاب «الصفقة» باعتباره خبيراً ناجحاً في عالم المال والأعمال.
بفوضويته غير المعهودة في عالم السياسة، قدم الرئيس ترامب إجابة شديدة الأهمية عن سؤال «مَن يحكم مَن، إسرائيل أم الولايات المتحدة؟». هذا السؤال الذي ظل يثير جدلاً هائلاً على الأقل على مستوى العالم العربي لعقود طويلة وكان محل دراسات وأبحاث وكتب وحلقات تلفزيونية جميعها غاصت في تعقيدات العلاقة، لكن أغلبها لم تقدم إجابة دقيقة لتلك العلاقة الشائكة والتي لا يمكن قراءتها في سياقات وعلاقات طبيعية بل سجلت سابقة لا مثيل لها في التاريخ. فهناك تداخل وخصوصيات ولوبيّات ومساعدات وتبنٍ وخوض معارك بالإنابة وتوأمة تركت هذا القدر من الالتباس الذي تمدد على مساحة عقود من الزمن، وقد تكثف بعد نكبة حزيران منذ ما يقارب العقود الستة منذ أن انتقلت إسرائيل من السلاح الفرنسي للرعاية الأميركية الكاملة والتأثير على واشنطن وقراراتها وحروبها.
كتبت هنا سابقاً عن تلك العلاقة بما يشبه الأب والابن، وأن الأب لا يمكن أن يخذل أو يضحي بابنه من أجل نماذج فاشلة تقدمها الحالة العربية المحيطة بإسرائيل التي تشبه تماماً الولايات المتحدة في جذورها الثقافية وإقامتها وطردها للسكان الأصليين والاستيلاء على أراضيهم وإقامة دولة على أنقاضهم، واختراع نظريات تبرير تلك الجرائم في محاولة للتصالح مع ذات تدرك حجم ما ارتكبت أو ما يمكن تسميته بعملية غسيل للتاريخ لأن الدولتين تصران على تقديم كل منهما بأنها دولة ديمقراطية إذ ينتصب تمثال الحرية أمام خليج نيويورك في الولايات المتحدة فيما يصر قادة دولة الاحتلال أن يسموا إسرائيل «الفيلا في الغابة» طبعاً كان هذا قبل الحرب، مصيبة إذا ظل يردد تلك المقولة بعد وحشية الغابة التي قامت بها دولته على شكل إبادة لشعب آخر.
ظهرت إسرائيل بحجمها الطبيعي، وكان هناك من يقولون، إن إسرائيل هي من تحكم الولايات المتحدة، وقد مثل تلك المقولة تيار عريض في الوطن العربي أراد في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي أن يعفي نفسه من محاربة إسرائيل باعتبار أن لا طاقة له بالحرب مع الولايات المتحدة. وبالتالي كان من نتيجة مقولات كهذه أن تحدث حالة السكون التي شهدناها في العقود الماضية أو أن تجرّ دولا أخرى للتطبيع، الحقيقة أن هناك نفوذاً أو حظوة لإسرائيل في الولايات المتحدة، لكن حين تقرر الأخيرة في مصلحتها فهي تأمر إسرائيل كما حدث مع أوباما والاتفاق النووي مع إيران، وكيف أخرس نتنياهو حين عنونت الصحف بما قاله أوباما له «shut up».
خلال ولاية ترامب الأولى، قدم لإسرائيل أكثر مما كانت تحلم وحقق كل طموحات صديقه الحميم بنيامين نتنياهو، لكن في إطار تلك التوأمة ظهر من هو الأخ الأكبر الحقيقي ومن الولد الصغير، من يملك القرار ومن لا يجرؤ على مناقشته. وقد يكون الأكبر يعمل في مصلحة الصغير الذي لا يراها هذا الأخير، وهذا صحيح لكن المهم هنا تحليل موازين القوة والمركز والطرف فإسرائيل ليست أكثر من طرف يعيش على جدار الولايات المتحدة.
قرر ترامب عودة الطائرات الإسرائيلية التي كانت ذاهبة لضرب طهران ..! قرر ترامب ألا ترد إسرائيل رداً كبيراً على مقتل جنديين في رفح بعد الهدنة ...! قرر ترامب ألا يسمح بإغلاق المعابر بعد العملية رغم قرار إسرائيل بذلك ...! قرر ترامب أن يعتذر اليميني العنصري بتسلئيل سموتريتش من السعودية ففعل ...! قرر ترامب ألا تضم إسرائيل الضفة لأنه أعطى لدول الخليج وعداً بذلك فهرب نتنياهو من التصويت وطالب مقربيه ألا يستمروا بفعل ذلك ... صحيح أن كل تلك لخدمة أهداف إسرائيلية، جزء منها استراتيجي، لكن يتضح منها مَن يحكم مَن ومن له اليد الطولى؟
في هذه الحرب رغم قسوة الإبادة وشدة النار وإشعال الحرائق بقوة كاسحة، فإن الحقيقة هي اكتشاف أو انكشاف إسرائيل وحجمها الحقيقي بأنها رغم ما أظهرته من استعراض وتصنيع عسكري وتكنولوجيا برعت بها إلا أنها لا تستطيع خوض حروب بلا سلاح أو مال أو غطاء أو معلومات أميركية، وأنها تصاب بالكساح دون الحضانة الأميركية التي لم ولا يمكن أن تصل مرحلة الفطام منها لتظهر دولة تابعة، أو كما قالت المعارضة جمهورية موز لدى واشنطن، تلك يمكن إضافتها لإنجازات ترامب ...!