تاريخ النشر: 26 أيلول 2025


آراء
أوهام الشرع حول الصفقة مع إسرائيل
الكاتب: محمد ياغي


في تصريحات له لصحيفة تركية، يقول الرئيس السوري أحمد الشرع «نحن قريبون جداً من التوصل الى اتفاق مع إسرائيل بوساطة أميركية» ويضيف بأن «سورية تُجيد القتال، لكنها لم تعد ترغب في الحرب» وأن «ليس امامها خيار سوى التوصل لاتفاق أمني مع إسرائيل.» ويضيف «هذا لا يعني بأي حال تطبيع العلاقات أو الانضمام للاتفاقيات الابراهيمية.»
وفي المقابلة التي أجراها في نيويورك، على هامش فعاليات مؤتمر «كونكورديا» السنوي للأمن والديمقراطية، مع الجنرال ديفيد بتريوس (المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية)، والذي انعقد بالتزامن مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال الرئيس السوري بأن «الاتفاق الأمني مع إسرائيل وشيك ويشبه اتفاق فصل القوات الذي وُقِع العام 1974» مضيفاً بأن «الاتفاقات السابقة بين الأنظمة العربية وإسرائيل لم تكن جيدة وقد تم خرقها»، لكنه مستعد لعقد «اتفاق مختلف مع إسرائيل لضمان حاجاتها الأمنية، والتعايش بين الشعبين السوري والإسرائيلي».
هنالك تقارير إعلامية أيضاً، لا نعرف مدى صحتها، تتحدث عن احتمال حصول اجتماع بينه وبين المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، نتنياهو، لتوقيع الاتفاق الأمني بحضور الرئيس ترامب.
بداية، ليس صحيحاً بالمطلق أن الاتفاق الأمني الذي ينوي الشرع توقيعه مع دولة الاحتلال يشبه اتفاق فصل القوات السابق الذي وُقِعَ مع نظام الأسد لا في ظروفه ولا في بنوده.
عندما وقعت سورية اتفاق فصل القوات في أيار 1974 كان ذلك بعد حرب استنزاف خاضتها مع دولة الاحتلال لاحقاً لحرب أكتوبر- تشرين 1973 واستمرت حتى توقيع الاتفاق. خلال هذه الحرب، حاولت سورية إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها وكانت هنالك اشتباكات جوية شبه يومية فوق الجولان ومن الغرب من دمشق. حرب الاستنزاف لم تُجبر إسرائيل على الانسحاب من الجولان، لكنها منعتها من احتلال أراض سورية جديدة، وأبقتها تحت الضغط العسكري لمدة سبعة أشهر، ولولا هذه الحرب لما أمكن أصلاً الوصول الى اتفاق فصل القوات.
في المقابل، هيئة تحرير الشام تحت قيادة الشرع لم تُطلق رصاصة واحدة على إسرائيل لتتويج ذلك باتفاق أمني معها، وبالتالي فإننا نتساءل، بأي أدوات سيتمكن الرئيس الشرع من إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي السورية الجديدة التي احتلتها إسرائيل؟ هل يراهن على أميركا لتحقيق ذلك؟ أوَ لم تقصف دولة الاحتلال الدولة الأكثر قرباً للولايات المتحدة في المنطقة، دولة قَطر، والموجود بها أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط؟ أميركا ليست جهة مُحايدة في الصراع مع إسرائيل للوثوق بها وهي تعلن يومياً ذلك ولا تُخفيه، والشرع يَعلم ذلك جيداً.
على ماذا يُراهن إذاً؟
قطعاً ليس على الولايات المتحدة، ولكن على التنازلات التي سيقدمها لدولة الاحتلال في أي اتفاق أمني معها، وهو ما سنراه في بنود هذا الاتفاق.
اتفاق فصل القوات العام 1974 تضمن وجود منطقة عازلة تسيطر عليها قوات «الأندوف» الأممية عرْضها في بعض المناطق 10 كم، وفي مناطق أخرى يصل الى مائتي متر. وهو ينص أيضا على وجود منطقة خالية من الأسلحة الثقيلة بعمق 10 كم شرق منطقة «الأندوف» وغربها، أي أيضاً في المنطقة التي تسيطر عليها دولة الاحتلال. والأهم من كل ذلك، أن اتفاق فصل القوات بُنِي على أساس قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي يؤكد أن الجولان هو أرض سورية مُحتلة.
لكن فيما هو مُسرب عن الاتفاق الأمني الذي يريد الشرع توقيعه، والذي يدعي بأنه يشبه اتفاق فصل القوات، فإن تفاصيله لا تشير بأي حال بأن هنالك تشابهاً بين الاتفاقين.
الشرع سيوقع على اتفاق أمني يتضمن تقسيم الجنوب السوري الى منطقة ألف، وباء، وجيم. المنطقة ألف، وعلى عمق 2 كم سيتم إلحاقها بالمنطقة العازلة التي كانت موجودة قبل أن تحتلها إسرائيل في كانون الأول العام الماضي. المنطقة باء هي منطقة منزوعة من السلاح السوري الثقيل وهي تمتد من المنطقة العازلة وحتى حدود محافظة دمشق. المنطقة جيم، ولا نعرف مساحتها بالضبط، يُمنع فيها على سورية استخدام الطيران الحربي.
وفيما هو مُسرّب من الاتفاق، يُحظَر على سورية امتلاك أسلحة إستراتيجية تُهدد أمن إسرائيل. وعليها الموافقة أيضاً على بقاء مرتفعات جبل الشيخ تحت السيطرة الإسرائيلية وعلى «تل الحارة» في ريف درعا، بالإضافة الى السماح لها بممر جوي يمكن لدولة الاحتلال استخدامه إن شاءت استهداف دولة أخرى مثل إيران. أخيراً، لن يتم الإشارة الى الجولان السوري المُحتل في الاتفاق الأمني لا من قريب ولا من بعيد.
إذا كان كل ذلك أو حتى بعضه صحيح، فإن الاتفاق الأمني الذي يتم الحديث عنه، لا علاقة له باتفاق فصل القوات السابق، ولا يُشبهه، وهو استسلام كامل للشروط الإسرائيلية.
هذه التنازلات التي سيتم تقديمها لدولة الاحتلال في الاتفاق الأمني هي ما يراهن عليها الشرع لإقناع إسرائيل بعدم التعرض لنظامه في دمشق، وهو بالطبع يأمل أن تقوم الولايات المتحدة بعد كل هذه التنازلات بإقناع إسرائيل بِعدم دعم الحركات الانفصالية الكردية والدرزية في سورية.
نعم السوريون تعبوا من الحرب؛ والفلسطينيون واللبنانيون تعبوا أيضاً، لكن الجميع مُجبر على الدفاع عن وطنه وأرضه وكرامته. هذه ليست حرباً اختيارية ولكنها حرب مفروضة عليهم الهزيمة فيها تؤدي لتشريدهم وضياع أرضهم وكرامتهم ومستقبلهم.  
الحقيقة في سورية، أن الجماعات التكفيرية التي لم تُطلق رصاصة واحدة على دولة الاحتلال خلال ثلاثة عشر عاماً من حربها مع النظام البائد، كانت في مَهمة لتدمير الدولة السورية وتسليمها للجهات التي كانت تُمولها وتُسلحها وتَرعاها، وهي تقوم بذلك اليوم بعد ان أنجزت مَهمتها.
وهنا علينا التذكير بحقيقة نراها منذ وقت طويل وهي أن التنظيمات المحلية التي تُوظِف «الإسلام» للدفاع عن الشعب والأرض وضد الظلم (حتى لو اختلفنا معها في فكرها وأساليبها) تكون في العادة تنظيمات وطنية مثل «حماس» و»الجهاد الإسلامي» و»حزب الله» وهي لا تمارس حربها خارج الجغرافيا التي تدافع عنها.
في حين أن التنظيمات العابرة للحدود والتي تُوظِف «الإسلام» لخدمة أجندتها تكون في العادة من صناعة دول خارجية هدفها نشر الطائفية وخلق الفوضى وضرب النسيج الوطني للمجتمعات العربية والإسلامية. هذا كان ولا يزال حال «دولة داعش» و «القاعدة» وتفرعاتها اللاحقة في سورية من «جبهة النصرة» وصولاً الى «هيئة تحرير الشام».