تاريخ النشر: 12 تشرين الثاني 2023


آراء
فشل القرار 1325 في حماية المرأة الفلسطينية
الكاتب: ريما كتانة نزال

بعد 23 عاماً على إصدار قرار مجلس الأمن الدولي 1325 للعام 2000 والذي تصادف ذكرى صدوره مع مرور 23 يوماً على المحرقة الصهيونية التي ترتكب ضد قطاع غزة، حيث بادر في حينه الائتلاف النسوي الأهلي لتطبيق القرار المذكور أعلاه برئاسة الاتحاد العام للمرأة، لا أرى موجباً لاستمرار العمل به أو التمسك فيه بعد أن تبين بشكل لا يقبل الجدل فشل أجندة المرأة والأمن والسلام في حماية المرأة الفلسطينية التي استندت إلى القرار 1325، وهذا القرار أو التوجه لم يكن بمثابة رد فعل على عجز وقصور مجلس الأمن والمنظومة الدولية عموماً في توفير حماية للنساء الفلسطينيات في غزة وفلسطين، اللواتي يذبحن تحت مرأى ومسمع «العالم المتحضر»، بل جاء نتيجة تقييم عميق للمسار ضمن السياق الفلسطيني الخاص.
نعم، نقولها جهاراً ودون تردد لقد فشلت أجندة المرأة والأمن والسلام في حماية المرأة الفلسطينية، بالجملة والتفصيل، ولا فرق لدينا إن هي أفشلت من الألف إلى الياء، فالاحتلال وحده من يتحمل مسؤولية إفشالها لأنه يرفض تطبيقها مثلما يرفض الامتثال لكل القرارات الدولية منذ قيامه إلى وقتنا الحاضر، أو أن المجلس ذاته قاصر وعاجز عن تطبيق قراراته عندما يتعلق الأمر بدولة الاحتلال الإسرائيلي، ولم تتدارك التهديدات المحيطة بالأجندة وأشاحت بوجهها عن الانتهاكات المرتكبة بحق المرأة الفلسطينية، ولم تعتبرها أدوات قياس لما سيليها من تصعيد وجرائم جسيمة لن يكون بالإمكان تطويقها ومنع الانفجار الذي كان بإمكان من يرى ويراقب الشعور بأنه أقرب من حبل الوريد.
ولمزيد من التذكير، فقد جرى التوافق على تبني القرار وتجسيده مفهوماً ورؤية فلسطينية تنطلق من حالة المرأة تحت الاحتلال الاستعماري الكولونيالي والعنصري، لم يكن لدى المرأة ممثلة بمؤسساتها العديدة أوهام حول إمكانية تطبيق كامل القرار وتحقيق ركائزه ومطالبه، ولا سيما ركيزة حق توفير الحماية للنساء تحت الاحتلال وحق مساءلة مرتكبي الانتهاكات والجرائم من بين ركائز أخرى أقل أهمية في الواقع الفلسطيني، بل لم يساورنا أي شكوك حول قدرة القرار على إيصال المرأة الفلسطينية للعدالة الدولية بسبب ازداوجية المعايير وسياسة الكيْل بمكيالين، ومع تلك القناعة وأخذا بعين الاعتبار التعقيدات الدولية وتعقيدات الواقع الدولي وتوازناته ومراكز القوى المسيطرة على القرار..اعتقدنا أن هذا الواقع سيتغير ولكن حرب الإبادة في غزة، كاشفة العورات، أكدت لنا بالملموس أن مراهنتنا على القرار آنف الذكر كانت مراهنات ليست في مكانها الصحيح وعليه يجب أخذ الخطوة حتى لا نبقى نخدع أنفسنا ونخدع غيرنا.
كنا نعتقد أن ثمة وجهاً إيجابياً للقرار ويتمثل في توظيفه لصالح تسليط وتظهير واقع المرأة تحت الاحتلال، وتوسيع دائرة الاشتباك مع سياسات الاحتلال في المساحة الدولية نحو تدويل القضية، يستحق الجهد الفلسطيني المبذول في استثماره، وخاصة أن القرار من الأدوات التقاطعية مع البرنامج الوطني كما يتقاطع مع برنامج الحركة النسائية بسبب تشابههما في الجمع بين البعدين الوطني التحرري والاجتماعي التحرري. ولكن هذه الإيجابية ومع ما يحصل من مذابح وجرائم بحق النساء والأطفال والمدنيين عموماً تحت سمع العالم ومعرفته دون أن يحرك ساكناً، غطت على أي إيجابية لأنه لم يجلب لا سلاماً ولا حماية.
بالقطع إن لحظة العدوان على غزة جاءت لتكشف النقاب عن عجز القرارات الدولية بأسرها، وعن تقادم أنظمتها وإجراءاتها، فبعد خمسة وثلاثين يوماً من بدء حرب الإبادة والتهجير وسقوط ما يزيد على 11 ألف فلسطيني وفلسطينية، في إطار عملية إبادة جماعية للشعب الفلسطيني، وصولاً إلى تهجير سكان شمال غزة البالغ عددهم قرابة المليون نسمة إلى الجنوب من غزة وقصف قوافل المهجرين بالطائرات، ما زال مجلس الأمن عاجزاً والإرادة الدولية عاجزة عن اتخاذ قرار نافذ بوقف الحرب وتوفير الاحتياجات الإنسانية للشعب الفلسطيني في غزة، فما قيمة تلك القرارات والهيئات الدولية؟
لم تعد ثمة فائدة تُرتجى من هيئة الأمم المتحدة تصب في خدمة حفظ الأمن السلام والوصول للعدالة كغاية تطمح لتحقيقها الدول الضعيفة، باستثناء معرفة اتجاهات موقف المجتمع الدولي الذي يمثله تصويت الجمعية العامة، حتى التصويت الأخير رغم روعته الذي لم يلاقِ أي اعتراض سوى صوت إسرائيل المحتلة بينما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت في خطوة نادرة. ومع ذلك سيبقى القرار حبراً على ورق كما غيره من مئات القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة ورفضت تطبيقها دولة الاحتلال.  
المطلوب إعلان فشل جميع القرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وبعضها يعود إلى 75 عاماً سابقة، مترافقاً مع رفضها لأنها لم تعد ذات قيمة أو فائدة ترتجى من بقائها، لأنها تحولت فلسطينياً إلى أصنام يستمر الدوران حولها، وفي جميع الأحوال فالاحتلال لا يكترث بها فهو يرسم وقائعه على الأرض.
لقد أصبحت القرارات ذات الصلة تعطل الفعل والتأثير بينما عمل الاحتلال على حسم وحل الصراع بالقوة في الضفة الغربية بداية، ومن ثم جاءت اللحظة التي كشفت بجلاء أن الانسحاب من طرف واحد ودون اتفاق من قطاع غزة العام 2005، بحاجة إلى استكمال بتهجير القطاع عن بكرة أبيه، وهو ما واجه رفضاً قاطعاً من قبل مصر، فاستبدل بإزاحة سكان الشمال من على تخوم إسرائيل نحو الجنوب، والسيطرة على أرضهم كمنطقة عازلة.        
وليس من المبالغة القول إن إحالة مهمة تحقيق الأمن والسلام إلى المرأة بمثابة اعتراف بفشل الهيئة الدولية التي تم تأسيسها لحفظ السلام العام 1947، التي تترأسها أغلبية من الدول التي يصنع ذكورها الصراعات والحروب. فكيف تُحال مهمة شائكة عَجِزَ الرجال عن تحقيقها إلى النساء، المُهمشات والمستبعدات، غالباً!
عموماً أعلنت المجموعة العربية لحقوق الإنسان انسحابها من المجلس الاجتماعي الاقتصادي التابع لهيئة الأمم المتحدة، لأنها هي الأخرى وصلت لذات النتيجة، ازدواجية المعايير والعجز المؤبد عن إنصاف الشعب الفلسطيني، وثمة استنتاج عام تحدث فيه أكثر من مثقف وحقوقي على المستويين الإقليمي والدولي يقول إن حرب الصهيونية على غزة وعموم الشعب الفلسطيني وإبادة المدنيين المحميين بالقانون الدولي الإنساني دون رادع، يعني سقوطاً مدوياً لما تسمى الشرعية الدولية ومؤسساتها.