قصص للأمل والحياة بقسم هدى المصري في مستشفى بيت جالا
بيت لحم - "الأيام الالكترونية": قربَ كنيسة المهد، مهدٌ لأطفال قهرهم الوجع، واستقوى على أجسادهم الغضَّة، يسمّونه "قسم هدى المصري لعلاج أطفال السرطان" وهو أحد أقسام مستشفى بيت جالا الحكومي في محافظة بيت لحم.
هناك يصير الألم أكثر بشاعة، والضحكات مُشتهاه، رويداً رويداً، تتحول الآلام لآمال، والدمعات لابتسامات، والشفاء إكليل يناله الأطفال المعالجون.
وفي القسم نفسه، دفنت ريماس رأفت ديرية (6 أعوام) مرض السرطان، وهو ما تشير إليه الفحوص الطبية الدورية التي تجرى لها، فقد أكدت هذه الفحوص أن ريماس تتحسن بشكل ملحوظ، ويتجاوب جسدها مع العلاج.
ظهرت على ريماس علامات المرض بداية العام الحالي، فنقلها أهلها لمستشفى بيت جالا الحكومي، وهناك أجريت لها الفحوص اللازمة، لتكشف عن فقر في الدم ونقص في الصفائح، لتحول بعدها إلى قسم هدى المصري، لتظهر الفحوص أنها تعاني من سرطان الخلايا اللمفاوية.
يقول والد ريماس: "أدخلناها لقسم هدى المصري في مستشفى بيت جالا في 3 كانون الثاني من هذا العام، وتم تشخيصها في اليوم التالي، وأكد الأطباء لنا أن ابنتنا مصابة بالسرطان".
ويضيف: "لم نكن نعلم أن الشحوب الذي أصاب ابنتنا هو علامة وعرض من أعراض هذا المرض، كنا نجري لها فحوصاً عادية في المستشفى، لكن الأطباء اكتشفوا إصابتها بالمرض".
يقول رئيس قسم هدى المصري د. محمد نجاجرة إن تجاوب جسد ريماس للعلاج كان مميزاً، وستغادر القسم في منتصف شهر شباط، وذلك بعد إجراء فحص النخاع لها والتأكد من عدم وجود خلايا سرطانية عندها، بعد ذلك سيتم متابعتها لمدة عامين.
تنشغل ريماس لوقت لا بأس به بتلوين رسومات جاهزة على دفتر مخصص لهذا الغرض، وبكلماتها الخجولة قالت إنها تشتاق للذهاب لمدرستها، والعودة إلى بيتها للعب مع أشقائها.
يزن.. جاء من غزة بلا أم ولا أب
في الغرفة المقابلة طفل جاء من قطاع غزة ليعالج في نفس القسم، اسمه يزن، وكان تشخيصه مشابهاً لحالة ريماس، لكن مع وجعه، يحمل وجعاً آخر: الفراق.
رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منح والدي يزن التصاريح اللازمة لمرافقة طفلهما المريض للعلاج في مستشفى بيت جالا الحكومي، وهكذا كان على يزن أن يمضي فترة علاجه بعيداً عن أمه وأبيه وأخوته آدم ومؤيد وأخته ريماس، نعم لديه أخت اسمها ريماس، وبذلك صارت بينه وبين ريماس جارته في القسم عوامل مشتركة أكثر، المرض نفسه، المكان نفسه، ونفس اسم شقيقته.
قال يزن صاحب الأعوام التسعة إنه غاضب جداً من إسرائيل لأنها أبعدته عن عائلته رغم مرضه.
"أمي زعلت كثير، ويوم طلعت من غزة لبستني أواعي (ملابسي) وباستني (قبلتني) وقالت: إن شاء الله بترجع بالسلامة، أخوتي الصغار كانوا نايمين، رحت بستهم (قبلتهم) لأني كنت عارف إني رح أشتاقلهم".
"أبوي أخذني من البيت، وصلني مع زوجة عمه للحاجز وبعدين دخلنا على الضفة وأجيت على المستشفى، كل يوم أمي وأبوي بحكوا معي تلفون، وبتطمنوا علي، بس ما بقدروا يشوفوني إلا بالصور".
نواة لمركز خالد الحسن
وبين وزير الصحة د. جواد عواد أن قسم هدى المصري لعلاج أطفال السرطان يعد نواة لمركز خالد الحسن للسرطان، مشيراً أن الكادر الطبي والصحي الموجود في هذا القسم مؤهل على قدر عال، وسيكون له دور كبير في تشغيل مركز خالد الحسن.
من جهتها، قالت مديرة المستشفى د. غادة كوع إن إدارة المستشفى تبذل جهوداً حثيثة لتطوير أقسام المستشفى، بما فيها قسم هدى المصري، والذي اعتبرته من أهم الأقسام الموجودة في المشافي الحكومية.
وأضافت أن القسم يستقبل الحالات المرضية من جميع المدن في الضفة والقطاع، مشيرة إلى مشاريع قادمة لتطوير قسم هدى المصري ليظل مميزاً في عطائه.
223 طفلاً عولجوا من السرطان
يقول د. نجاجرة إنه تم تشخيص وعلاج 223 طفلاً كانوا يعانون "اللوكيميا"، مشيراً إلى دراسة أعدها مركز الحسين للسرطان في الأردن بالشراكة مع جامعة القدس ووزارة الصحة الفلسطينية أظهرت أن النسبة المتوقعة للشفاء في القسم تجاوزت الـ80%، وهي نفس النسبة الموجودة في أوروبا وأميركا.
وأضاف إن نسبة الوفاة خلال المرحلة الأولى من العلاج هي أقل من 3%، وهي نسبة تضاهي أيضاً ما هو موجود في الدول الأوروبية.
وأشار رئيس القسم إلى أن تكلفة علاج الطفل الواحد من اللوكيميا تكلف حوالي 2 مليون شيقل إذا تم تحويله إلى أي مستشفى داخل أراضي الـ1948، مؤكداً أن هذا القسم يوفر سنوياً على الخزينة العامة 60 مليون شيقل.
ويقول د. نجاجرة إن قسم هدى المصري يتميز بطاقم مؤهل جداً، حيث تدربوا وتخصصوا في مراكز عالمية مثل مركز الحسين للسرطان، وفي أميركا وإيطاليا، ويضيف: هناك 3 مدرسات يزرن الأطفال المرضى داخل القسم بشكل دوري، وذلك لأن فترة مكوث الأطفال هنا طويلة نسبياً، ولكي لا تحدث هناك فجوة في تعليمهم ومتابعة مناهجهم الدراسية، فإن هؤلاء المعلمات يقمن بتدريسهم العلوم واللغة العربية واللغة الإنجليزية.
ويوضح أن القسم يستقبل زيارات دورية لاستشاريين ومتخصصين دوليين في عدة مجالات، كالقلب ودم الأطفال، وأخصائيي أسنان، يقومون بالاطلاع على أوضاع الأطفال وتقديم اللازم لهم.