
كتب محمد الجمل:
تتواصل خروق الاحتلال لاتفاق التهدئة، من خلال القصف وإطلاق النار، وحصار مناطق وإجبار سكانها على النزوح، أو من خلال تقليص عمل المعابر، بينما تتواصل المعاناة في صفوف المواطنين والنازحين.
"الأيام" رصدت مجموعة جديدة من المشاهد من قلب القطاع في ظل استمرار التهدئة التي وصفها المواطنون بـ"الأكذوبة"، من بينها مشهد تحت عنوان: "رفح.. حرب مستعرة ومعلومات شحيحة"، ومشهد آخر يوثق تصاعد العدوان على حي التفاح شرق مدينة غزة، ومشهد ثالث يُسلّط الضوء على تحول كسوة الشتاء إلى عبء ثقيل على أرباب الأسر في القطاع.
رفح.. حرب مستعرة ومعلومات شحيحة
تشهد مدينة رفح جنوب قطاع غزة، غارات جوية عنيفة، وانفجارات لا تتوقف على مدار الساعة.
وشبّه مواطنون ما يحدث داخل مدينة رفح المحاصرة والخالية من سكانها على أنها حرب مستعرة، في ظل شح شديد في المعلومات عما يدور داخل المدينة.
ويدور الحديث عن استشهاد عدد كبير من المقاومين المحاصرين في أنفاق داخل مدينة رفح، واعتقال عدد منهم، دون معرفة مصير الآخرين.
واعتمد مواطنون في الحصول على المعلومات من المدينة، على ما يتم نشره من صور، حيث جرى التعرف على عدد من الشهداء والمعتقلين، فقد تم التعرف على عدد من الشهداء عُرف منهم أحمد سعيد حمد، وعبد الله غازي حمد، وشهيد من عائلة أبو لبدة، وآخر من عائلة البواب، بينما جرى التعرف على بعض المعتقلين من المقاومين، منهم مؤمن بسام الجمل.
وظهر المعتقلون في صور نشرها الاحتلال وميليشيا تابعة له في وضع صحي ونفسي سيئ، وعليهم آثار تعذيب واضحة، بينما ظهرت مشاهد لجثث الشهداء تؤكد أنهم قضوا جراء قصف، حيث كانت أجسادهم ممزقة.
ووفق مصادر متعددة فإن الاحتلال أطبق خلال الفترة الماضية حصاره على المقاومين داخل بعض الأنفاق في رفح، وبدأ بمهاجمتها باستخدام قنابل تسقطها الطائرات قادرة على اختراق الأرض لمسافات بعيدة، ثم تنفجر.
وقدرت المصادر بأن غالبية المقاومين إما استشهدوا أو جرى اعتقالهم، ولا تتوفر معلومات كافية عن أعدادهم، أو ما حل بهم.
وأكد مواطنون يقطنون جنوب مدينة خان يونس، أن ما يحدث في مدينة رفح منذ فترة تصعيد كبير، فيومياً تشن الطائرات بين 20 و40 غارة جوية، بينما الانفجارات لا تتوقف، حتى تحولت المدينة إلى ساحة حرب لا تهدأ.
وأشار المواطن بسام عمر الذي يقطن جنوب خان يونس، إلى أنه يشاهد من أمام خيمته معظم مدينة رفح من بعيد، وعلى مدار الساعة تتصاعد ألسنة الدخان، ويسمع أصوات الانفجارات، خاصة من مناطق شرق المدينة.
وسبق أن أعلن جيش الاحتلال أكثر من مرة أن قواته الجوية والبرية تحاصر مقاومين في رفح، وتقصف الأنفاق التي يتواجدون فيها بواسطة الطائرات، وأعلن ناطقون باسم الجيش قتل عدد من المقاومين من بينهم قائد كتيبة "الشرقية"، في "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس".
حي التفاح تحت النار والحصار
شهد حي التفاح شمال شرقي مدينة غزة، تصاعداً كبيراً في العدوان الإسرائيلي خلال الأيام الماضية، وصل إلى حصار منازل، وقصف مدفعي وجوي عنيف.
ونتج عن القصف الإسرائيلي العنيف الذي تعرض له الحي على مدار الأيام الماضية، إصابة العديد من المواطنين، وحصار عائلات في منازلها، وخلق أجواء من القلق والخوف الواسع.
وبيّن جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، أنه تلقى العديد من الاستغاثات من قبل مواطنين حوصروا داخل حي التفاح.
وأوضح "الدفاع المدني" أن طواقمه أجلت شهيدين وما لا يقل عن 25 مصاباً برصاص الاحتلال، كما وصلت مناشدات من عائلات حوصرت في منطقة "السنافور" في الحي، تحديداً في "مبنى الصخرة"، مؤكداً أن الاحتلال صعّد هجومه بشكل غير مسبوق على مناطق شرق مدينة غزة، خاصة حي التفاح، وأن المنازل تتعرض لإطلاق نار وقصف متواصل، بينما يتم حصار العائلات داخل بعض المنازل.
وقال مواطنون إن قوات الاحتلال تزيد من الضغط على سكان شرق مدينة غزة منذ أكثر من أسبوعين، خاصة بعد أن غيّرت حدود الخط الأصفر، وقدمت العلامات الصفراء مئات الأمتار غرباً، واستولت على مزيد من الأراضي شرق المدينة.
ولفت مواطنون إلى أن عمليات النزوح من مناطق جديدة شرق مدينة غزة متواصلة، خاصة أن الاحتلال يواصل الضغط على السكان هناك، بهدف إخلاء المنطقة من السكان.
وأوضح مواطنون أن الوضع شرق المدينة بات خطير جداً، وكل شخص يصل إلى هذه المناطق قد يتم استهدافه.
ووفق محللين ومراقبين فإن إسرائيل تستغل ما تسمى "التهدئة"، من أجل تنفيذ مخططات خطيرة، حيث بدأت تؤسس لفصل غزة جغرافياً إلى منطقتين، وهذا سيكون بمثابة أداة ضغط سياسية وأمنية على سكان قطاع غزة، من خلال تقليص مساحة القطاع، وهذا يشكل ضغطاً على سكان القطاع، بما يسهّل عملية التهجير وهو الهدف الأساسي لإسرائيل.
وذكر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن الاحتلال ارتكب أكثر من 600 خرق لاتفاق وقف إطلاق النار، أدت إلى استشهاد 357 من المدنيين، غالبيتهم أطفال ونساء وكبار سن، إضافة إلى 903 مصابين بجروح متفاوتة.
كسوة الشتاء عبء ثقيل
باتت كسوة الشتاء عبئاً ثقيلاً على عاتق أولياء الأمور، خاصة في ظل استمرار النزوح، والأوضاع الصعبة التي يعيشها غالبية المواطنين. ورغم توفر الملابس في الأسواق، إلا أن أسعارها المرتفعة تحول دون تمكن أولياء الأمور من توفيرها لأبنائهم.
وأشار المواطن عبد الفتاح عايش إلى أن فصل الشتاء جاء ومعه الكثير من الأعباء، منها تجهيز الخيمة لمواجهة البرد والأمطار، وكسوة أبنائه الثلاثة، خاصة أن العيش في خيمة قرب شاطئ البحر، يتطلب ارتداء ملابس ثقيلة، للحماية من البرد.
وبيّن أنه قرر كسوة أبنائه واحداً تلو الآخر، فانتهى من كسوة الأول وقد كلفه الأمر أكثر من 600 شيكل، ويحاول توفير مبلغ مماثل لكسوة الآخر، ثم كسوة الثالث.
وأوضح أن أسعار الملابس مرتفعة، والأنواع المتوفرة محدودة، ولا يوجد خيارات متعددة أمام المشترين كما كان في السابق، وهو مضطر لشراء ما هو موجود في السوق، مبيناً أنه إلى جانب كسوة الشتاء، عائلته بحاجة لشراء أغطية ثقيلة، تقيهم من البرد في فصل الشتاء المنتظر.
بينما قال المواطن ياسر موسى إنه عاجز عن كسوة أبنائه الخمسة، ويخشى أن يتعرضوا للبرد جراء قلة الملابس والأغطية، وهو يأمل بأن تقوم مؤسسات إغاثية محلية أو دولية بتوزيع ملابس على الأطفال.
ولفت إلى أنه سمع عن توزيع ملابس في بعض المخيمات، لكنه لم يحصل على شيء، مطالباً بعدالة التوزيع حتى يحصل الجميع على الملابس والأغطية، فالجميع يحتاجونها.
وسمح الاحتلال بدخول كميات محدودة من الملابس لقطاع غزة، بعد منع استمر أكثر من 10 أشهر، حيث عرضت في الأسواق ملابس شتوية بأسعار مرتفعة.
وقال باعة وتجار إنهم يتسلمون الملابس من كبار التجار بأسعار مرتفعة، وهم مجبرون على بيعها كذلك، موضحين أن كلفة "التنسيقات"، لشاحنات الملابس أعلى بكثير من الأصناف الأخرى من السلع.
وأكد باعة أن الإقبال على الملابس الشتوية مازال محدوداً رغم حاجة الجميع إليها، فغالبية المواطنين ينتظرون إما انخفاض أسعارها، أو توزيع ملابس وأغطية بشكل مجاني على النازحين.
وكانت مؤسسات دولية من بينها وكالة الغوث "الأونروا"، أكدت أنها تمتلك مئات الشاحنات التي تحمل معدات إيواء، وخياما، وملابس، جميعها متوقفة خارج قطاع غزة، بانتظار السماح لها بالدخول.