قال موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحركة حماس: إن نزع سلاح المقاومة في قطاع غزة «لن يحقق أمن المستوطنات الإسرائيلية»، وتجريد حماس من سلاحها سيفتح الباب أمام الفوضى ويؤدي إلى ظهور مجموعات مسلحة بديلة». أمين عام حزب الله نعيم قاسم بدوره قال إن الحزب لن يستخدم سلاحه ضد إسرائيل. وكان حزب الله قد وافق على قرار مجلس الأمن 1701 الذي ينص على سحب سلاحه من الجنوب ويتضمن تطبيق قرارات سابقة تنص على سحب سلاح حزب الله من كل المناطق وتسليم السيطرة للدولة اللبنانية. وبالمثل وافقت حركة حماس على خطة ترامب التي تنص على نزع السلاح وتدمير بنيتها الأمنية وقد جرى دعم الخطة بقرار مجلس الأمن رقم 2803 الذي ينص على: «ضمان نزع السلاح في قطاع غزة، بما يشمل تدمير البُنى التحتية العسكرية «والإرهابية» والهجومية ومنع إعادة بنائها، وكذلك الإخراج الدائم للأسلحة من الخدمة من قبل الجماعات المسلحة».
السواد الأعظم من اللبنانيين والفلسطينيين وسائر الشعوب ومعظم الدول كانوا مع وقف الحرب التي تحولت الى حرب إبادة وتهجير في قطاع غزة وحرب تدمير لقرى الجنوب اللبناني، وتحولت فعلياً الى حرب من طرف واحد مع رد بمقاومة محدودة لدى حماس وحزب الله.
هزيمة كبيرة تنسجم مع ميزان القوى المختل بمستوى فلكي وبقدرات غير متكافئة بتاتاً في كل المجالات، يضاف إليه دعم أميركي هائل وغربي أيضاً تحت مسمى «حق إسرائيل في الدفاع عن أمنها» وصل الى حد معاقبة او كبح محكمة العدل والجنائية الدوليتين والأونروا ومجلس حقوق الانسان، والدول والجامعات والمؤسسات الداعمة للشعب الفلسطيني.
الاختلال المذكور تحول بعد وقف إطلاق النار الى «حق إسرائيل» في توجيه ضربات الى مواقع حزب الله وحماس، واغتيال قيادات وكوادر دون رد.
الخسائر المتصاعدة التي لحقت بالفصيلين المقاومين وكان آخرها اغتيال هيثم طبطبائي القائد العسكري لحزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت، تطرح إعادة النظر في الاستراتيجية التي اعتمدها محور المقاومة بقيادة النظام الإيراني مجتمعاً أو فردياً. تلك الاستراتيجية التي دخلت في حرب مواجهة مفتوحة مع دولة تملك أحدث آلة حرب وأقوى اقتصاد وشبكة علاقات دولية وإقليمية. لم تكن إيران لتقبل بها وكانت بمثابة خطأ ارتكبته حماس وتبعها حزب الله. بدا بالتجربة الملموسة أن ميليشيا بأسلحة متواضعة التكنولوجيا وليس لها عمق إقليمي ومحاصرة، ويتحكم عدوها في كل شيء باستثناء الهواء في قطاع غزة والضفة الغربية، وأصبحت في لبنان محاصرة ومعزولة من أي دعم لوجستي وتسليحي، ومعزولة أيضاً في إطار طائفة واحدة من لبنان. هذه المليشيا لا تستطيع خوض مواجهة مسلحة مع آلة حرب محترفة إلا وعرضت نفسها للهزيمة المريرة. حتى وعندما تحولت المواجهة بين دولة الاحتلال ودولة ايران قدمت الأخيرة في المرة الأولى عرضاً كرنفالياً لإرضاء جمهورها العربي والإسلامي ليوم واحد. ولم تدخل ايران المعركة اسناداً لجبهات لبنان وفلسطين واليمن رغم ما تعرض له قطاع غزة من إبادة ودمار، وما تعرضت له الضفة الغربية من تطهير عرقي وغزو استيطاني فاشي، وما تعرض له الجنوب والبقاع اللبناني من تدمير وتهجير. وعندما شنت دولة الاحتلال هجوماً خطيراً على ايران لم تصمد الأخيرة أكثر من 12 يوماً لأنها تعرف النتيجة، ولأنها لا ترغب في الأصل الدخول في حرب.
منطق الأمور الذي ينطلق في محاكمته من تحكيم العقل واحترام المعرفة وتقييم التجربة ومقارنتها مع التجارب السابقة، يقود الى الانسحاب من المواجهة غير المتكافئة، وتفادي أي خسائر إضافية، وليس العمل على تجديدها بصورة كاريكاتورية. لقد وقع حزب الله وحركة حماس في تناقض، كالموافقة على خطة ترامب التي تعني القبول بالاستسلام وبوصاية على الوضع الفلسطيني برمته، وقبول حزب الله بسحب سلاحه من الجنوب وكل المناطق اللبنانية بحسب قرار مجلس الأمن.
القبول بشروط وقف الحرب في البداية ورفض نزع السلاح في التطبيق، عرّف بالأسباب الحقيقية لأصحاب استراتيجية المقاومة، وقد ساعد أبو مرزوق والشيخ نعيم قاسم مشكورَين في تعريفه. في حالة حماس صار بقاء السلاح لإدامة سلطتها مباشرة او مواربة والسيطرة على المجتمع بمستوى صريح، ما يعزز هذا الاعتقاد الاعدامات وترهيب كل الذين عارضوا حكم حماس وطالبوها بالتنحي عن السلطة، ونقدوا مغامرتها العسكرية بعد وقف إطلاق النار مباشرة. حماس تبدي استعداداً لتسليم السلاح الذي يقاوم إسرائيل والاحتفاظ بالسلاح الذي يبقي سيطرتها على المجتمع. وحماس تقول بصريح العبارة إنها تقبل بهدنة طويلة الأمد مع دولة الاحتلال. وإذا افترضنا ان دولتي قطر وتركيا أقنعتا إدارة ترامب بمطلب حماس في هدنة طويلة 5- 10 سنوات وسيطرة على المجتمع مع ضمان الهدوء والأمن لدولة الاحتلال. في هذه الحالة من يستطيع تفسير بيان الطوفان الأول وكل خطابات أعضاء المكتب السياسي والناطقين الإعلاميين خلال العامين السابقين؟ سيجد المدقق مواقف ونقيضها بزاوية 180 درجة، مواقف تكفي لنزع كل مصداقية عن حركة حماس، ولا ينفع الزعم بأن هذه الهدنة الاضطرارية لالتقاط الانفاس وإعادة بناء قوة كافية لزعزعة الوجود الإسرائيلي برمته. لأن دولة الاحتلال في حال موافقتها على العرض ستشترط إعادة البناء والاعمار وكل شيء بالتزام حركة حماس بأن لا يشكل قطاع غزة خطراً وتهديداً أمنياً على غلاف غزة وعموم الأراضي الفلسطينية المحتلة. وماذا سيكون مصير الضفة الغربية؟ سيما وان قيادة حماس تدّعي بأن المقاومة منعت إسرائيل من ضم الضفة الغربية، معنى ذلك أن إسرائيل ستضم الضفة عندما تنتقل المقاومة الى الهدنة.
الشيء نفسه ينطبق على حزب الله الذي انتقل من دوره في حماية لبنان الى عجزه عن حماية نفسه. لكنه يريد الاحتفاظ بسلاحه ويهدد باستخدامه داخلياً ضد كل من يحاول المس بقدسية سلاح المقاومة.
إذاً، السلاح عند حركة حماس وحزب الله أداة سيطرة على المجتمع والبلد، كان في السابق وما يزال في الحاضر. المقاومة التي لها مفعول السحر تُستخدم كغطاء لمنظومة السيطرة، فهي لا تملك برنامجاً وأهدافاً مستمدة من حاجة فلسطين للتحرر من غطرسة الاحتلال، وتسمح باستخدامها كسلاح لتعزيز مكانة الإخوان المسلمين في البلدان الأخرى. ولا تملك مقاومة حزب الله في لبنان برنامجاً للخلاص من النظام الطائفي الذي يشكل عائقاً أمام تطور البلد. بالعكس، لقد كرس حزب الله النظام الطائفي بأسوأ أشكاله وأنقذه من الانتفاضة الشعبية العابرة للطوائف، وسمح باستخدام لبنان كورقة لتحسين مكانة النظام الإيراني الإقليمية. عدم جدية حماس وحزب الله في استخدام المقاومة كأداة للتحرر الوطني والاجتماعي نابعة من خواء منظومة المقاومة الإسلامية الإيرانية ونظامها الثيوقراطي المعادي للتعدد السياسي والثقافي والديني، والمعادي للديمقراطية، تلك المنظومة التي انكشف خواؤها لكنها لا تزال سارية المفعول.