تاريخ النشر: 17 تشرين الثاني 2025

"عرض أول" لمجموعة مقطوعات في أمسية الأوركسترا العربية الفلسطينية للعام 2025

كتب يوسف الشايب:

 

تحت عنوان "غزة الشعب الصامد"، نظمت الأوركسترا العربية الفلسطينية التابعة لمعهد إدوارد سعيد الوطني، أمسيتها للعام 2025، بقيادة الموسيقار سهيل خوري، مساء أول من أمس، على خشبة مسرح عزيز شاهين بجامعة بيرزيت.
واشتملت الأمسية، التي أعلن عن نفاد تذاكرها، قبل أيام، وغصّت بالحضور، على مقطوعات موسيقية تُقدّم للمرة الأولى أمام الجمهور، هي: "لقاء بعد النزوح" من تأليف وتوزيع الفنان تامر الساحوري، و"اغتراب" من تأليف وتوزيع الفنان باسل زايد، و"رقصة الأرض" من تأليف وتوزيع الفنان ونيس زعرور، و"قم" من تأليف وتوزيع الفنان طارق عبوشي، و"شو صاير" من تأليف وتوزيع الفنان عيسى بولص.
استوحى الساحوري "لقاء بعد النزوح" من رحلة عودة سكان مدينة غزة وشمال القطاع في مشهد مهيب من الجنوب، فمنهم من التقى بعائلته وأحبابه بعد طول غياب، ومنهم من أراد احتضان منزله أو ما تبقى له منه، ومنهم من لم يجد لا العائلة ولا الأحباب ولا المنزل، في مقطوعة تتحد النغمة فيها بالذاكرة، في حوار بين من رحل ومن بقي، ومن وحي المشهد نفسه خرج زعرور بمقطوعته "رقصة الأرض"، التي يقّدم فيها أنماطاً إيقاعية غير مألوفة، ومربكة، مع لحن متكرر يتماهى والفلكلور الفلسطيني.
وعبّر الفنان باسل زايد في "اغتراب" عن حالته في المنفى، وتحديداً في فرنسا، والتناقض بين الهجرة الاختيارية بالنسبة له، حيث بإمكانه العودة إلى منزله في رام الله متى شاء، والهجرة القسرية لأهالي القطاع، أو لجزء كبير منهم عن منازلهم وأماكن سكناهم، فكان حوار بين البعد الزمكاني والقرب الروحي، بلحن تأملي.
أمّا الفنان أحمد الخطيب في "ورد ونار"، فيظهر أهل غزة كالورود الجميلة التي تعرضت للحرق، وكان النار مصيرها، مشيراً حول مقطوعته إلى أنه "في خضم ما يحدث بغزة، من ألم لا يُحتمل، عادت إلى الذاكرة خواطر كتبتها قديماً في بحثي عن معنى الموسيقى: كيف تكتب نوتة بين دمعتين؟ وأي لحن يضاهي مرثية تهدهد قلب أم ثكلى أو تربت على ظهر يتيم فقد أباه؟ تلك هي فلسطين.. اليوم يشبه الأمس، لكن المسافة بيني وبينها اتسعت كما اتسع الجرح.. جسد بعيد وروح معلّقة بها، وزهور في مهب النّار، ونغم تائه يعجز عن مواكبة هذا الأسى".
ويدعو الفنان طارق عبوشي في "قم" كل فلسطيني إلى النهضة، عبر مقطوعة تبدأ بلحن هادئ قبل أن تنتفض، مؤكداً أن "هذا الإنسان المثقل بالعجز والركود والإحباط، بحاجة إلى من يلهمه ويحرّكه، ويدفعه نحو الفعل".
ويتساءل الفنان عيسى بولص "شو صاير"، في انعكاس لتساؤلات الشعب الفلسطيني ونضالاته من أجل الحرية، وخاصة في العامين الأخيرين، حيث شهد العالم واحداً من أكثر الإبادات توثيقاً في التاريخ، بحيث تسعى هذه المقطوعة إلى "زعزعة السائد، وتحدي المألوف، فكل آلة موسيقية تحمل أهمية متساوية لكل فئة من شعبنا، منسوجة بنمط إيقاعي ونغمي يرمز لمساعي تفسيخ المعادلات القائمة".
وانطلقت الأمسية كما اختتمت بمقطوعة "ما بين حيفا وجنين" من تأليف وتوزيع الفنان سهيل خوري، وتفاعل معها الجمهور بشكل كبير، لافتاً إلى أنه ألفها لفرقة الفنون الشعبية الفلسطينية، قبل عقود، لكنه، وعند تقديمها، مؤخراً، كان يتخيّل مشهد "أسرى النفق"، وهم يتجولون لساعات أو أيام "ما بين حيفا وجنين"، خاصة في مرج سهل ابن عامر، مهدياً المقطوعة لمن تحرّر منهم، ولمن لا يزال خلف القضبان.
وتحت عنوان "مارسيليّات"، قدّمت الأوركسترا، مجموعة من ألحان الفنان اللبناني مارسيل خليفة، عن أغنيات حول فلسطين، ومن كلمات شعراء كبار أبرزهم محمود درويش وسميح القاسم، وهي من إعداد الفنان د. إسماعيل داوود، مدير المعهد في غزة، والتي سبق وقدمها مع طلبة المعهد في القطاع عند ركام المنازل خلال عدوان الاحتلال على غزة في العام 2021، ليعيد توزيعها للأوركسترا الفنان عز الدين سعيد.
أمّا "غزة الإباء" فهي تحية موسيقية من الفنان سهيل خوري إلى كل من وما في قطاع غزة، عن كلمات لفداء القطب، ومن تأليفه وتوزيعه، مهدياً إيّاها أيضاً إلى طلاب معهد إدوارد سعيد للموسيقى في غزة، الذين استمروا، قدر ما استطاعوا، في العزف والتدريب، خلال حرب الإبادة.
وقدّمت الأوركسترا من تأليف تامر ساحوري وتوزيع عز الدين سعيد، مقطوعة "حجازيات"، التي تجمع بأسلوب متجّدد مقطوعات تراثية من بلاد الشام، بينها: "هالأسمر اللون"، و"ع الأوف مشعل"، و"هدي يا بحر" رائعة الراحل "أبو عرب"، كما قدمت مقطوعة "يا دار" التي سبق وقدمتها أكثر من مرّة للفنان أحمد الخطيب، قبل أن تقدّم "أغاني الثورة الفلسطينية" من توزيع الفنان عز الدين سعيد، لمجموعة من ملحني أغنيات الثورة الفلسطينية كمهدي سردانة، وكنعان وصفي، وعبد الله طه العجيل، ووجيه بدرخان، وغيرهم، فكان الجمهور يقوم بدور الجوقة على خلفية ألحان: "عهد الله ما نرحل"، و"ع الرباعية"، و"والله وشفتك يا علمي"، و"طل سلاحي من جراحي"، وغيرها.