
كتب محمد الجمل:
رصدت "الأيام" مجموعة جديدة من المشاهد في اليوم الرابع من الشهر الثاني لدخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ، من بينها مشهد تحت عنوان: "شهادات صادمة"، ومشهد آخر يوثق استمرار نقل رفات الشهداء من مناطق متفرقة في مدينة غزة وإعادة دفنها في المقابر، ومشهد ثالث يرصد حال الأسواق بعد حدوث انخفاض ملحوظ على أسعار السلع.
شهادات صادمة
يعيش أسرى قطاع غزة المفرج عنهم من سجن "سدي تيمان"، أوضاعاً صحية ونفسية بالغة الصعوبة، بسبب ما تعرضوا له من تعذيب قاسٍ خلال أشهر طويلة قضوها في السجن المذكور.
وبدا الوضع الصحي والنفسي لبعض الأسرى الذين يتم الإفراج عنهم ونقلهم إلى مستشفيات القطاع سيئاً، وبعضهم يخضعون للعلاج في المستشفيات، قبل أن يعودوا إلى ذويهم.
وروى أسرى تفاصيل قاسية عن المعاناة التي عاشوها هناك، خاصة ما يسمى "القمعة"، التي يتعرضون فيها لضرب مبرح وتنكيل شديد.
وقال الأسير خليل عبد الله، أحد المفرج عنهم من سجن "سدي تيمان"، إنه قضى هناك أكثر من 7 أشهر، عاش خلالها كل أصناف المعاناة، موضحاً أن الأسرى هناك يتعرضون للضرب المبرح على مدار الساعة من دون سبب، وبعضهم فقدوا حياتهم من شدة التعذيب، وآخرون كُسرت أطرافهم، والبعض أصيبوا بمشاكل صحية ونفسية خطيرة.
وأشار إلى أن أسوأ شيء يحدث للأسرى هو "القمع"، حيث تدخل قوات كبيرة من جنود الاحتلال إلى غرف المعتقلين بشكل مفاجئ، ويلقون قنابل غاز وصوت في الغرف، ثم يقيدون الأسرى من أيديهم، وينهالون عليهم بالضرب المبرح، حتى يفقد البعض وعيهم.
وأوضح أن كميات الطعام التي تقدم للأسرى قليلة جداً، ونوعيتها سيئة للغاية، والوجبات الثلاث لا تكفي حاجة أسير لوجبة واحدة، ناهيك عن التحقيق القاسي والطويل الذي يتعرض له الأسرى هناك.
وتحدث أسرى عن وجود أقسام أكثر صعوبة في المعتقل المذكور، من بينها قسم يطلق عليه "الجحيم"، وفيه يتم احتجاز أسرى من غزة، ويتعرضون هناك لصنوف من التعذيب الشديد.
ولفت عبد الله، الذي تحرر في الصفقة الأخيرة، إلى أنه ترك خلفه مرضى، ومبتوري أطراف، ومعتقلين يعانون معاناة شديدة، موضحاً أن السجانين لا يتعاملون مع الأسرى على أنهم بشر، فحتى الحيوانات ربما تحظى بمعاملة أفضل مما يحظى به أسرى غزة في سجن "سدي تيمان".
ويقبع داخل سجن "سدي تيمان" أسرى قطاع غزة، سبق ونشرت القناة الـ12 الإسرائيلية مقطعاً مصوراً يوثق اعتداء جنود إسرائيليين جنسياً على أسير فلسطيني في معسكر "سدي تيمان" في صحراء النقب، ما أثار موجة غضب عارم على وسائل التواصل الاجتماعي.
يذكر أن سجن "سدي تيمان" هو في الأصل قاعدة عسكرية على بُعد 30 كيلومتراً عن قطاع غزة باتجاه مدينة بئر السبع، أنشأه جيش الاحتلال مباشرة بعد بداية عدوانه على غزة في 7 تشرين الأول 2023، ونقل إليه العديد ممن اعتقلهم في غزة، بينهم أطفال وشباب وكبار في السن.
استمرار نقل رفات الشهداء
يواصل جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، وجهات أخرى، عمليات نقل رفات عشرات الشهداء، من ساحات عامة، ومحيط منازل، وداخل مدارس، إلى مقابر، وغالبية هذه الجثامين جرى دفنها خلال العدوان والحصار، ومعظمها مجهولة الهوية.
وفي آخر عملية نقل، عملت فرق الدفاع المدني في قطاع غزة على نقل رفات 60 جثماناً من داخل ساحة عيادة الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، وذلك لليوم الثاني على التوالي.
وأشار "الدفاع المدني" إلى أنه تم نقل جثامين 60 شهيداً مجهولي الهوية، حيث تم دفنهم سابقاً داخل ساحة عيادة الشيخ رضوان، وجرى نقلهم إلى مستشفى الشفاء، تمهيداً لنقلهم إلى مقبرة في مدينة غزة.
وبيّن أنه تم نقل الجثامين إلى مستشفى الشفاء لأخذ عينات وحفظها للعمل مع المنظمات والهيئات الدولية؛ للحصول على معلومات للتعرف على تلك الجثامين.
ولفت إلى أن العدد الإجمالي للجثامين التي تم انتشالها، في يومين من المنطقة المذكورة، وصل إلى 95 جثماناً، وما زال هناك عدد من الجثامين المفقودة داخل أسوار العيادة.
وأكد "الدفاع المدني" أن طواقمه لا تزال تواصل العمل والبحث مع الجهات المختصة لاستخراج باقي الجثامين، بعدما تم دفنها على عجل خلال أشهر حرب الإبادة التي ارتكبتها إسرائيل.
وفي وقت سابق من الشهر الماضي، جرى نقل رفات 120 شهيداً من مناطق متفرقة في حي الصبرة، غالبيتهم من عائلة "شحيبر"، ودفنهم في مقبرة بمدينة غزة.
ويواصل مواطنون البحث عن جثامين أحبتهم العالقة تحت الركام، حيث أكد الناطق باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل، تلقي بلاغات حول وجود رفات شهداء تحت الأنقاض، ولا يستطيع انتشالها بسبب عدم توافر المعدات.
وأشار إلى أن مقار عمل الدفاع المدني في المناطق التي انسحب منها الاحتلال مدمرة بشكل كامل.
ووفق مصادر مطلعة فإن هناك صعوبة كبيرة في انتشال جثامين شهداء مازالوا تحت الركام، بسبب قلة الإمكانات، حيث تتواجد الكثير من الجثامين تحت كتل خرسانية كبيرة.
انخفاض على أسعار السلع
طرأ في الآونة الأخيرة انخفاض ملحوظ على أسعار بعض أنواع السلع المتوفرة في أسواق قطاع غزة، خاصة الغذائية، لاسيما الفواكه، والخضراوات، وبعض أنواع المواد التموينية الرئيسية مثل السكر والأرز، وزيت الطعام.
ورغم الانخفاض المذكور، إلا أن الأسعار مازالت أعلى بكثير من معدلها الاعتيادي، ما حرم الكثير من العائلات من تلبية احتياجاتها الأساسية.
وذكر البائع أحمد عصفور، أن العرض بدأ يزيد في الأسواق، وبعض السلع باتت تعرض بكميات كبيرة، وهذا أسهم في انخفاض أسعارها على نحو ملحوظ، لكن رغم ذلك هناك كساد وتراجع كبير في الطلب.
وقال إن انخفاض الأسعار أمر جيد، لكنها لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الحرب، وهذا يرجع إلى عدة أسباب، أهمها ارتفاع أجرة النقل، وتأمين البضائع من قبل شركات خاصة، إضافة إلى دفع بدل تنسيق، ومصروفات أخرى تزيد من تكاليف الاستيراد، وكل هذه التكاليف تضاف على المستهلك، الذي يدفع مبالغ أعلى للحصول على السلعة.
وأشار عصفور إلى أن الفقر وفقد المواطنين مصادر رزقهم، أثرا على الأسواق، والبعض يشتري السلع بكميات قليلة، وآخرون يعتمدون على المساعدات، والمطابخ الخيرية لتلبية احتياجات أسرهم.
وأوضح أن تذبذب الأسعار أربك الباعة، وتسبب بخسائر كبيرة لبعضهم، فأسعار السلع تنخفض فجأة، وهذا خلق تبايناً في الأسواق، لذلك مطلوب استقرار في دخول البضائع، حتى تستقر الأسعار، ويشعر المستهلك بالاطمئنان.
بينما ذكر المواطن أحمد سلطان أن السلع في الأسواق انقسمت إلى قسمين، جزء منها متوفر، وأسعاره باتت معقولة نوعاً ما، وجزء إما مفقود أو شحيح، بسبب منع الاحتلال وصوله بكميات كافية، مثل اللحوم، والدواجن، والألبان، وبيض المائدة، وبعض أنواع الفواكه.
ولفت سلطان إلى أن الوضع قياساً بفترة المجاعة جيد، والأسواق ممتلئة بالسلع، لكنه وغيره من المواطنين يتمنون عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب، من حيث وفرة جميع أنواع السلع، وانخفاض أسعارها.
وأشار إلى أن هناك اهتماماً مبالغاً فيه من قبل التجار لجلب بضائع ليست ذات قيمة، مثل الشوكولاتة الفاخرة، على حساب سلع أكثر أهمية، داعياً إلى استيراد كميات كبيرة من اللحوم والدواجن، التي يعاني قطاع غزة من عجز كبير فيها.