تاريخ النشر: 04 تشرين الثاني 2025


دفاتر الأيام
أين أنت الآن يا إسكندر؟
الكاتب: زياد خدّاش

(هذه فرحة خاصة يا زياد، لم أشعر فيها من قبل، أن يُجرى معي حوار في جريدة فلسطينية داخل فلسطين، هذا مبهج وفريد ويجعلني أرغب في البكاء).
هذا ما سجله بصوته لي صديقي المرحوم الشاعر والمترجم الفلسطيني اللبناني إسكندر حبش بعد أن أرسلت له عبر الواتس أب، الحوار الذي أجريته معه في الصفحة الثقافية لجريدة الأيام الفلسطينية.
الفلسطيني الستيني اللداوي الذي هُجر أهله من اللد وولد هو في بيروت، كان صديقي وكاتبي الملهم، التقيته في بيروت قبل سنوات في معرض كتاب ما، بقينا على تواصل حتى آخر تسجيل صوتي له قبل رحيله بساعات وهو يهمس: أنا اتعبت اتعبت، اتعبت.
صعقت حين عرفت أنه فلسطيني الأصل ومن اللد تحديداً، استغرب هو من استغرابي، وقال لي ضاحكاً يا زياد أنا من هنا وهناك، هناك جذوري وهنا أغصاني.
إلى أين يذهب المترجمون البارعون عند غياب الجسد النهائي؟
وكيف يتعامل الشاعر مع فكرة أنه فقد حواسه وذاب في غيبوبة أبدية؟
كيف يمكن للشعر أن يحمي الشاعر من الغياب؟ هل مات محمود درويش حقاً؟ لماذا نكتب إذا لم نكن نكتب حتى ننسى رعب أننا سنموت، ما هو الموت؟ أليس هو أيضاً أن نتوقف عن الكتابة؟، هل تتذكرنا دواويننا حين يقرؤها قارئ ذكي ولمّاح؟ كم شاعراً مات في العالم حين تخلى عن الشعر؟ كم صديقاً شاعراً فقدنا ؟ كم ذهولاً ابتلعناه حتى الاختناق حين نتصل على المفقودين ولا يردون؟
لماذا لا تموت القصائد حين يموت شعراؤها؟ هل هذه علامة؟ أم هي قدرة الشعر على التنفس حتى في نزول النعش إلى حفرة بعد جنازة ضخمة؟
لماذا نترجم قصص الآخرين؟ أتأكيداً على وحدة العالم؟ أهرباً أم مللاً ؟ أم رغبة في التنزه الذهني أم بحثاً عن الغني والنضير في الآخر؟.
هذا النوع من الأسئلة وغيرها كثير كنا نسألها إسكندر وأنا، عبر تسجيلات صوتية عبر تطبيق الواتس أب، كنا نضحك كثيراً، وفي وسط الضحكة كان إسكندر يختفي، كنت أعلم أنه يعاني من انتكاسات، يعود بعدها مبتسماً مشرقاً، يحكي عن المنسف وكازنتزاكي والفاصولياء البيضاء وقصص بورخيس، والشوكولاتة والشاي الأخضر، وعدم إعجابه بشعر فدوى طوقان، وكنت أفاجئه بألعاب لغوية من عناوين كتبه: «في تلك المدن رسمت بروتريه لرجل من معدن»، وبنصف تفاحة شكوت الخريف، لا أمل لي بهذا الصمت ولا شيء أكثر من هذا الثلج.
كان إسكندر يفرح وهو يسمع عناوين كتبه تتحول لقصة قصيرة جداً.
أين أنت الآن يا إسكندر؟.