تاريخ النشر: 24 تشرين الأول 2025

تحسين يقين يكشف عن "ملامح الرواية الفلسطينية بعد أوسلو"

 

كتب يوسف الشايب:

 

شكلت اتفاقية أوسلو العام 1993 مفصلاً تاريخياً أدخل المجتمع الفلسطيني في مرحلة جديدة ومعقدة، انعكست بوضوح في الرواية، كشكل أدبي بارز، وفق ما أكد الكاتب والناقد تحسين يقين، خلال إطلاق كتابه "ملامح الرواية الفلسطينية الجديدة ما بعد أوسلو"، في حوارية أدارها من داخل قاعة الجليل في متحف محمود درويش بمدينة رام الله، مساء أول من أمس، الكاتب والشاعر عبد الحكيم أبو جاموس.
وتطرق الحوار، إلى صلب موضوع الكتاب، أي التحولات التي طرأت على الرواية الفلسطينية في مرحلة ما بعد اتفاقيات أوسلو، حيث تساءل أبو جاموس عما إذا كان مفهوم "أدب المقاومة" قد تغير بعد هذه المرحلة السياسية الجديدة، ليوضح يقين أن القضايا الجوهرية ظلت حاضرة بقوة في الروايات، لأنها قضايا لم تُحل بعد على أرض الواقع، لكنه أكد في الوقت نفسه على وجود "تحولات" مهمة رصدها الكتاب، تتعلق بتأثير وجود سلطة وطنية، والتحول نحو اقتصاد السوق، والتغيرات الاجتماعية والثقافية المصاحبة لهذه المرحلة.
ويأتي كتاب يقين، الصادر عن دار "لوسيل" للنشر في العاصمة القطرية الدوحة، كإضاءة نقدية ضرورية في زمنٍ يغرق في التكنولوجيا وتسطيح القيم، كما يشير الناقد إبراهيم جوهر في تقديمه للكتاب، الذي يرصد ويحلّل مختارات من الرواية الفلسطينية في فترة تمتد منذ توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993 وحتى العام 2018 تقريباً.
وفي الكتاب، يشير يقين إلى أن تبعات مرحلة ما بعد أوسلو، انعكست بوضوح في الرواية من خلال: نقد تأثيرات الوضع السياسي الجديد، بما في ذلك ظهور السلطة الوطنية ومؤسساتها، وقضايا مثل الفساد المحتمل، وصعود نخب جديدة، علاوة على تأثير التحولات الاجتماعية والاقتصادية للاتفاقية، بحيث رصدت الروايات تأثير الليبرالية الجديدة واقتصاد السوق الحر تحت الاحتلال، وما رافقه من تغيرات طبقية، كظهور نخب ذات دخول عالية، وتفاقم الفقر، وتبدل السلوكيات والقيم الاجتماعية.
وعلاوة على ذلك، يبرز في هذه الروايات، التركيز على الهم الداخلي، بحيث لم يعد الاهتمام منصباً فقط على العلاقة مع الآخر (المحتل)، بل ازداد التركيز على العلاقات الداخلية في المجتمع الفلسطيني بتعقيداتها وتفصيلاتها.
ورغم ذلك لم تتخلَّ الرواية الفلسطينية في هذه المرحلة، تبعاً ليقين، عن القضايا الجوهرية التي شكلت أساس السردية الفلسطينية، فظلت موضوعات الاحتلال، واللجوء، والمستوطنات، والذاكرة الفردية والجمعية، والصراع من أجل البقاء والهوية حاضرة بقوة، بحيث اكتسبت الرواية بعداً وجودياً يعكس تجربة الإنسان الفلسطيني على أرضه المستلبة.
وإلى جانب القضايا الوطنية والتحولات السياسية، برزت اهتمامات أخرى في الرواية، كأنسنة النضال، والهم النسوي والكولونيالي، والانحياز للمهمشين وقضايا الشباب، علاوة على نقد الماضي.
ولاحظ يقين سعي الروائيين للتجديد والاجتهاد في الشكل الفني، رغم صعوبة التجريب في ظل الحصار الثقافي، مشدداً على أن "المضمون يخلق شكله".
ومن هنا برز التجريب السردي، عبر كسر نمطية السرد الخطي، واستخدام تعدد الأصوات، وبناء الرواية كـ "فسيفساء" من جزيئات سردية متقاطعة، علاوة على بروز توظيف الزمن والذاكرة، بالاتكاء على تقنيات من قبيل استدعاء الماضي، والتوازي والتقاطع بين الأزمنة، والتدوير الزمني والمكاني، كما ذهبت بعض الروايات لجهة تداخل الواقعي والافتراضي، عبر تقنيات عدّة ومن بينها ما هو مستجد كالاستفادة من الروح البوليسية والتشويق، وتوظيف السيرة الذاتية، وغيرها.