تاريخ النشر: 24 تشرين الأول 2025


آراء
السلام المشروط: إعادة تشكيل مستقبل الفلسطينيين بدونهم
الكاتب: محمد ياغي


عندما يتجند العالم للبحث عن أقل من عشرين قتيلاً إسرائيلياً ويتناسى أكثر من عشرة آلاف فلسطيني تحت الأنقاض، اعلم جيداً بأن ما يجري، لا علاقة له بالعدالة والقيم الإنسانية، ولكنه مُحصلة فائض قوة الاحتلال على الأرض بالدعم والإسناد الأميركي.
ألا تكون هنالك قيمة لحياة الفلسطيني مقابل الإسرائيلي، لم يكن مفاجئاً لأحد بالطبع، فهذا كان واضحاً في كل السلوك الغربي الرسمي ما قبل الحرب وخلالها. كانت المعايير المزدوجة هي القاعدة التي تحكم السلوك الأميركي والغربي، وهي السبب الرئيس للمأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ العام 1948 والذي أدى بالمحصلة للسابع من أكتوبر.
هل تَعلم الغرب الرسمي شيئاً مما جرى؟ لا نعتقد ذلك، فهو لا يزال أسير معاييره المزدوجة: تسليح أوكرانيا بأحدث ما لديه من السلاح لمواجهة روسيا، مقابل الإصرار على حرمان الفلسطينيين من حقهم في الدفاع عن أنفسهم وأرضهم وتسليح ودعم وحماية من يَحتلهم.
يريدون للفلسطينيين أن يفرحوا. انتهى القتل الجمعي، وبدأ القتل الفردي: أن تستيقظ على الأنباء بأن عشرة أو خمسة أو ثلاثة من الفلسطينيين قد أعدمتهم دولة الاحتلال، هو أفضل من الاستيقاظ على إعدامه لمائة أو ثمانين أو سبعين منهم! أن يُقتل فرد من العائلة أفضل من إبادة العائلة بكاملها! أن يُدمر بيت أفضل من تدمير حي بأكمله! أن تجوع مئات الأُسر في غزة بفعل الحصار أفضل من أن يجوع كل فلسطينيي غزة! أو ليس هذا ما كان عليه الحال قبل السابع من أكتوبر.
الفرق بين الغرب الرسمي ودولة الاحتلال هو أن الأخيرة مَلَت من القتل البطيء للشعب الفلسطيني، ووجد في السابع من أكتوبر فرصة لتسريع عملية الإبادة والحسم السريع، بينما الغرب الرسمي الذي تَطبع على القتل البطيء للفلسطينيين، لم يَحتمل أن تستغرق عملية الإبادة كل هذا الوقت ليس لوجع في الضمير، فهو قد غض النظر ولا يزال عن جرائم الدولة التي يدعمها، ولكن لأن نتائج حرب الإبادة قد وصلت الى شوارعه في نيويورك وباريس وبرلين ولندن، لأنها دخلت الى كل بيت في الغرب، وأصبحت جزءاً من الحديث اليومي لمواطنيه، وبالتالي لمن يفوز ومن يخسر في الانتخابات.
لهذا السبب فقط، وصل الغرب الرسمي الى قناعة بأن عليه أن يوقف مشاهد القتل الجمعي للفلسطينيين، لكن بالطبع لا مُشكلة في العودة لقتلهم ببطء.
اليوم هنالك حديث وترتيبات تجري لتقرير مستقبل الفلسطينيين بدون الفلسطينيين.
ماذا يعني إدخال قوة دولية مُسلحة لغزة؟ تشكيل حكومة فيها تقودها الولايات المتحدة أو من ينوب عنها؟ فصل غزة عن الضفة؟ ربط المساعدات الإنسانية بتجريد المقاومة من سلاحها؟ إعمار فقط في المناطق المُحتَلة من غزة؟ تجاهل ما تقوم به دولة الاحتلال في الضفة من مصادرة للأراضي وقتل للفلسطينيين وتقويض لسلطة السلطة الفلسطينية؟
علينا أن نعترف بأن القضية الفلسطينية قد دخلت مرحلة جديدة وتتطلب سياسات جديدة. وللقيام بذلك على الفلسطينيين أن يدركوا عناصر قوتهم وضعفهم، ما تمكن الاحتلال من تحقيقه وما عجز عنه.
لعل أهم عناصر قوتهم هو أن غالبية شعوب العالم تدرك معاناتهم وتعلم حقيقة دولة الاحتلال وتنبذها، وأن هنالك حركة تضامن دولي واسعة معهم يجب عدم التفريط بها ويجب تطويرها الى أن تتمكن من إجبار الحكومات الغربية على فرض عقوبات اقتصادية وسياسية وعسكرية على دولة الاحتلال لإجباره على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي يحتلها.
والعنصر الثاني من عوامل قوتهم هو أن الاحتلال قد فشل وعلى مدار عامين من حرب الإبادة من إلحاق الهزيمة بالمقاومة الفلسطينية. الدولة التي هزمت ثلاثة دولة عربية واستولت على أراضيها في ستة أيام، فشلت في هزيمة المقاومة الفلسطينية والاستيلاء على غزة في عامين.
والعنصر الثالث هو أن دولة الاحتلال وعلى مدى عامين لم تتمكن من إغلاق أي من الحروب التي خاضتها، بنجاح، فلا هي تمكنت من تثبيت أقدامها في لبنان ولا من تجريد حزب الله من سلاحه. وهي لا زالت تفاوض في سورية، وهي لم تتمكن من إغلاق جبهة الإسناد في اليمن، ولا تمكنت أيضاً من إخضاع إيران. كل الجبهات فعلياً لا تزال مفتوحة بدون نصر واضح وحاسم لدولة الاحتلال في أي منها.
في المقابل، تمكن الاحتلال من إلحاق دمار غير مسبوق بالشعب الفلسطيني (والشعب اللبناني أيضاً)، وهو يراهن على أن هذا الدمار أو التلويح بالمزيد منه سيفرض على الشعب الفلسطيني وغيره من شعوب المنطقة الخضوع لشروط الاحتلال بما في ذلك تجريد المقاومة من سلاحها، القبول بالمناطق العازلة، وتشكيل حكومة في غزة خاضعة للاحتلال وتنفذ ما يريده منها، وبسط سيطرته على الضفة.
إن إدراك ذلك يُحتم على الفلسطينيين تعزيز عوامل قوتهم والتخلص من عوامل ضعفهم ولعل أهمها إنهاء هذا الانقسام السياسي المستمر منذ عقدين من الزمان.
على السلطة الفلسطينية أن تُدرك بأن عامين من الحرب على غزة قد جعلتها أضعف من أي وقت مضى، فهي لم تكن موجودة في أية مباحثات تخص القضية الفلسطينية. وفي نفس الوقت على المقاومة أن تدرك، بأنها لا تستطيع أن تحقق تطلعات الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وهي خارج منظمة التحرير الفلسطينية حتى لو نجحت في الاجتماع مع مبعوثين أميركيين أو أشادت بجهود ترامب لفرض استمرار وقف إطلاق النار. إن توحيد الفلسطينيين في إطار منظمة التحرير الفلسطينية هو السلاح الوحيد القادر اليوم على إلحاق الهزيمة بالمشروع الإسرائيلي الأميركي الذي يستهدف الشعب الفلسطيني.