
بقلم: إيتان بن إلياهو
في 17 تشرين الأول 1953، نشر دافيد بن غوريون وثيقةً تُصَوِّرُ الأمن الإسرائيلي، وقد غطّت كل الجوانب ذات الصلة، وهي ترتكز إلى عدم التناظر الكمي بيننا وبين أعدائنا. ومع مرور الأعوام، وبسبب نمو سكان إسرائيل، وأساساً بفضل إنجازاتها التكنولوجية، لم يُغلَق الفارق تماماً، لكننا كبحنا اتساعه. في أي حال، كان المبدأ الذي قاد بن غوريون أنه بعد كل حرب سيستعيد العدو عافيته، ومن المتوقَع أن نواجه دورة جديدة من القتال. لذلك، يجب أن تنتهي كل دورة قتال ويد إسرائيل هي العليا، أو بكلمات بن غوريون؛ بالـحسم. وهذا الحسم يعني أن الطرف الآخَر غير قادر، أو على الأقل غير راغب، في مواصلة القتال. وإن نهايةً من هذا النوع تُعرَّف أيضاً في فكر الجنرال البروسي فون كلاوزفيتز، الذي عاش في القرن التاسع عشر، كـ"حسم".
منذ نحو عامين، تُطرح التساؤلات بشأن ما إذا كنا قد وصلنا إلى نقطة نهاية الحرب، وقد أصبح هذا السؤال محور نقاش وجودي حاد في المجتمع الإسرائيلي، وانتشر أيضاً بين الجاليات اليهودية حول العالم. وفي كل حروب إسرائيل حتى الآن، لم يرفع أي طرف العَلَمَ الأبيض. ومع مرور الوقت في القتال، بدأ الأطراف، بمساعدة القوى الكبرى أحياناً، وأحياناً أُخرى تحت ضغطها، بإجراء اتصالات أدت إلى اتفاقيات حتى مع العِلْمِ بأن الحرب يمكن أن تتجدد في المستقبل. والنقطة الأساسية هي أنه على الرغم من عدم وجود استسلام، فإن هناك رغبة تتشكّل، أو على الأقل اتفاقاً متبادَلاً، لإيقاف القتال عندما تكون اليد العليا لإسرائيل، ومجموع هذه الحالات يمنح إسرائيل ردعاً تراكمياً يؤدي في النهاية إلى اتفاق سلام. هذه المقاربة الخاصة ببن غوريون أثبتت صحتها، ودليلها بدْءُ توقيع اتفاقيات سلام بين إسرائيل وجيرانها.
لكن بن غوريون، وكذلك زئيف جابوتنسكي، لم يخطر في بالهما أن "الإرهاب" الفلسطيني سينمو إلى هذا الحد؛ فعلى الرغم من أنه لا يشكِّل كياناً سياسياً، فإن تأثيره في الميدان أصبح معادلاً لدولة عدوة.
لا شك في أن حرب "السيوف الحديدية" هي من أكثر الحروب المبرَرة التي عرفناها، وفي أن إسرائيل اليوم هي الطرف الذي يملك اليد العليا. فلماذا، إذاً، تستمر الحرب، ولماذا يسبب النقاش بشأن نهايتها أزمة وجودية في المجتمع الإسرائيلي؟ وفقاً لتصوُر أمني، فإنه لا يوجد أي مبرر لمواصلة القتال، ولا سبب أمني يمنع التوصل إلى اتفاق يعيد الأسرى المختطَفين. ولا يوجد أي بند يناقَش في المفاوضات، كعدد المختطَفين الذين سيعادون وسرعة إرجاعهم، أو قائمة الأَسْرَى الفلسطينيين الذين سيفرَج عنهم، يبرر استمرار الحرب.
على الرغم من أن "حماس" ضَعُفَتْ وأعلنت بصراحة عدم رغبتها في الاستمرار في القتال، فإن الحرب والمفاوضات الجانبية غير المجدية مستمرة بوحشية منذ ما يقارب العامين.
وبالتالي، ومع توفُر كل الشروط اللازمة لإنهاء الحرب، كما تصرفنا في لبنان وإيران، لماذا لا يحدث هذا في غزة؟ السبب هو أن الشعب منقسم بين أولئك الذين يؤمنون بأن غزة جزء من "أرض إسرائيل"، وأنه يجب العودة إليها وطرْد سكانها والاستيطان فيها، وبين أولئك الذين يرون بحق أن هذه السياسة يمكن أن تؤدي إلى كارثة، وأنه يجب الخروج من قطاع غزة وإبقاؤه خارج حدود إسرائيل. أمَّا كل حُجَّةٍ أُخرى يستخدمها أحدهم، فهي تضليل مقصود.
عن "N12"