تاريخ النشر: 24 أيلول 2025


آراء
الاعتراف بدولة فلسطين: الهستيريا الإسرائيلية
الكاتب: أشرف العجرمي

توالي الاعترافات بدولة فلسطين وخاصة من دول عظمى ومهمة كالمملكة المتحدة وفرنسا وكندا وأستراليا وبلجيكا وغيرها، وتركيز المجتمع الدولي على أهمية تطبيق حل الدولتين أفقد الحكومة الإسرائيلية صوابها، فهذا يأتي على نقيض تام من سياسة هذه الحكومة وبرنامجها الذي يذهب نحو تهجير الفلسطينيين، ومنع قيام دولة فلسطينية، وضم المناطق الفلسطينية المحتلة، وإقامة إسرائيل الكبرى على كامل فلسطين التاريخية وأجزاء من العالم العربي. وبناء على هذا النجاح الفلسطيني والفشل والغضب الإسرائيلي بدأت الحكومة في نقاش خيارات للرد على الاعترافات الدولية، وهذه الخيارات في الواقع تعكس هستيريا قد تفاقم من عزلة إسرائيل وتضعها في مواجهة مفتوحة مع العديد من الأطراف الدولية.
ما حصل في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هو امتداد لعملية بدأت منذ ثمانينات القرن الماضي، حيث اعترفت دول كثيرة بدولة فلسطين المعلنة في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في العام 1989. ولكن هذه الاعترافات توقفت عند حدود عدد من الدول الغربية التي لم تر في الاعتراف بدولة فلسطين خطوة صحيحة تساهم في تحقيق السلام. وبعضها اشترط التوصل لاتفاق فلسطيني- إسرائيلي للاعتراف بفلسطين وعلى اعتبار أنه تحصيل حاصل لتطبيق حل الدولتين. وبعض الدول رأت في الاعتراف خطوة غير ذات مغزى لا تقدم ولا تؤخر في العملية السياسة، على الرغم من أن عدد الدول التي اعترفت بفلسطين فاق عدد الاعترافات بإسرائيل.
اليوم، هناك مغزى كبير لهذا الاعتراف بسبب ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مذابح وجرائم حرب غير مسبوقة في التاريخ البشري المعاصر. وأيضاً بسبب القلق الدولي من المخطط الإسرائيلي لتدمير قطاع غزة وتهجير سكانه وتنفيذ مشروع الرئيس الأميركي دونالد ترامب المسمى «الريفيرا» على أراضي القطاع بدون سكانه. والذي يتعامل مع قطاع غزة كمشروع استثماري عقاري وسياحي واقتصادي بسبب الغاز والبترول والموقع المميز لغزة. ونفس الشيء ينطبق على الضفة الغربية التي تخضع لمشروع سيطرة وضم وتهجير. ومن وجهة نظر المجتمع الدولي فهذا يشكل خطراً على الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
في الواقع هناك دور مهم للملكة العربية السعودية في مثل هذا التحول الدولي نحو دعم حل الدولتين، وكان لشراكتها مع فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن بالغ الأثر في الوصول إلى هذه الموجة من الاعترافات التي أغضبت إسرائيل وتخرجها عن نطاق العقل والمنطق. فالتهديدات الإسرائيلية بضم الضفة الغربية، أو العمل ضد فرنسا بما في ذلك إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس كرد فعل على الاعتراف بدولة فلسطين، لم تُثنِ كل الدول التي عاندت هذه الرعونة السياسية، بل لقد قوبلت إسرائيل بتهديدات قوية بأن أي فعل إسرائيلي بتنفيذ تهديدات من هذا القبيل سيقابَل بإجراءات عقابية.
من الناحية الأخرى، قامت السعودية بتوجيه رسائل تحذيرية لإسرائيل بأن أي خطوة تتعلق بضم مناطق فلسطينية سيقابَل برد فعل سعودي سياسي وأمني ضد إسرائيل. ويبدو أن المملكة قد خاب أملها في الإدارة الأميركية وبدأت باتخاذ خطوات يمكن اعتبارها موجهة ضد إسرائيل، ولحماية نفسها دون الاعتماد على المظلة الأميركية التي لم تحمِ قطر في التعرض لهجوم إسرائيلي، عندما استهدفت الطائرات الإسرائيلية مقرات لحركة «حماس» في الدوحة. ويمكن رؤية اتفاقية الدفاع الإستراتيجي المشترك مع الباكستان واحدة من هذه الإجراءات ذات التأثير المهم. والذي يقلق إسرائيل في هذه الاتفاقية أنها تأتي مع الدولة المسلمة الوحيدة التي تمتلك سلاحاً نووياً، بما يعني أن السعودية قد تذهب نحو امتلاك خبرات نووية وحتى تطوير قدرات في مجال التخصيب وربما المجال العسكري.
إسرائيل قد تقْدم على خطوات متهورة، ولكن التوقعات أنها لن تقوم بأي شيء بدون التفاهم مع الإدارة الأميركية، ولهذا لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية أي قرار بانتظار لقاء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مع الرئيس ترامب الذي بدوره سيعقد لقاء مع عدد من القادة العرب في نيويورك. وستكون هذه اللقاءات مؤثرة في القرار الإسرائيلي بشأن الخطوة القادمة. فمن جانب ستحاول إسرائيل أخذ دعم ترامب في الإعلان عن ضم أجزاء من الضفة الغربية، ويمكن أن تكون منطقة غور الأردن هي المنطقة المستهدفة في هذه المرحلة، وسبق للإدارة الأميركية أن دعمت مبدئياً ضم إسرائيل لبعض المناطق الفلسطينية، ولكن هذا لم ينفذ على أرض الواقع، ربما بانتظار ما ستؤول إليه الحرب على غزة. والآن يتعرض نتنياهو لضغوط هائلة من شركائه في الحكومة، ليس فقط من الصهيونية الدينية بل وكذلك من أعضاء بارزين في حزبه للرد على الاعترافات الدولية بالضم، واتخاذ خطوات ضد الدول التي اعترفت بفلسطين. ومن الناحية الأخرى يريد الرئيس ترامب أن يحقق نجاحاً يخصه في الوصول إلى صفقة لإطلاق سراح المحتجزين في غزة ووقف الحرب، وبذلك يبقي نفسه في صدارة الاهتمام الدولي. والعالم الآن بانتظار ما تفضي إليه اجتماعات نيويورك، هل ستكون بداية تغيير حقيقي باتجاه إحداث اختراق سياسي أم حدثاً له بُعد معنوي يضعُف مع الوقت.