تاريخ النشر: 24 أيلول 2025


آراء
الاعتراف بفلسطين.. خطوة مـهـمـة فـي مـشـوار طـويـل
الكاتب: عماد الدين حسين

السياسة لا تعرف اللونين الأبيض والأسود فقط، بل هي تعرف كل الألوان، وفي أحيان كثيرة يكون اللون السائد هو الرمادي أو الكاروهات، أو لون يصعب وصفه لأنه خليط من ألوان كثيرة.
وإذا صحت المقولة السابقة فإن الاعتراف البريطاني والفرنسي والغربي عموماً بالدولة الفلسطينية أو حل الدولتين، هو خطوة سياسية جيدة جداً، تحتاج إلى خطوات أخرى كثيرة، حتى يتم ترجمتها على أرض الواقع، لكنها لا تعني أن الدولة الفلسطينية ستقام غدًا، أو أن جرائم إسرائيل ستتوقف بل ربما تتفاقم.
مشكلة الكثير من العرب أنهم ينظرون للأمور بمنظار الأبيض والأسود فقط، ولذلك يتعاملون مع الخطوة الغربية الأخيرة على أنها إما عظيمة جداً وتمثل نهاية المطاف، وتعنى قيام الدولة الفلسطينية، أو أنها بلا قيمة على الإطلاق ومجرد خطوة تآمرية وإبراء للذمة الغربية من الذنب التاريخي تجاه الشعب الفلسطيني.
بأي معيار فإن الاعتراف الأوروبي واسع النطاق بالدولة الفلسطينية هو صفعة قوية على وجه العنصرية والوحشية الإسرائيلية. وهو دليل إدانة واضح للعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة والمنطقة منذ ٧ أكتوبر من العام قبل الماضي.
ولهواة اللون الأسود المتشائم دائماً نسأل: أيهما أفضل أن تعترف الدول الأوروبية الكبرى بالدولة الفلسطينية، أم تستمر في عدم الاعتراف؟! أليس هذا الاعتراف خطوة مهمة حتى لو كانت رمزية؟! أليس الانزعاج والقلق والخوف الإسرائيلي وتهديد الدول الأوروبية دليلاً على أن إسرائيل تشعر بخطورة هذا التطور الغربي؟!
يقول البعض إن بريطانيا هي التي زرعت إسرائيل في المنطقة، خصوصاً حينما أصدرت وعد بلفور في ٢ نوفمبر ١٩١٧، وهذا صحيح تماماً، والدور البريطاني في دعم إسرائيل كان واضحاً ولا ينكره حتى البريطانيون أنفسهم، لكن حينما تعترف بريطانيا بالدولة الفلسطينية، أليس ذلك جيداً وينبغي الترحيب به والبناء عليه؟!
في السياسة ينبغي عدم إهمال أي جانب، بل تعظيم ما هو موجود.
وفي الناحية الأخرى، فإن المتفائلين بقوة حيال هذه الخطوة عليهم أن يتواضعوا قليلا كي يدركوا أن هناك واقعاً مريراً، جوهره أن إسرائيل تدمر كل ما يمكن أن يشكل نواة لقيام الدولة الفلسطينية.
هؤلاء المتفائلون لا يدركون أن هناك نحو ١٤٩ دولة تعترف بفلسطين من بين ١٩٣ دولة أعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وغالبية هذه الدول اعترفت بالدولة منذ عام ١٩٨٨، لكن هذا الاعتراف لم يتم ترجمته بصورة عملية ليتحول إلى دولة. بل صار هناك خوف حقيقي، ليس فقط من احتلال إسرائيل لغزة أو إكمال تهويد الضفة الغربية، بل في تمكن إسرائيل من تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة كخطوة في محاولة لتصفية القضية الفلسطينية وصولاً إلى إقامة إسرائيل الكبرى التي تحدث عنها نتنياهو بكل وضوح قبل أسابيع قليلة.
المطلوب من العقل العربي سواء على المستوى الأهلي والإعلامي، أو على المستوى الرسمي، أن يتعامل بعقلانية مع القضايا العربية والتوقف عن «نظرية الأبيض والأسود»، بمعنى أن نرحب بالاعتراف الأخير، وفي نفس الوقت إخبار هذه البلدان وغيرها أن الاعتراف وحده لا يكفي بل لا بد من ترجمته إلى خطوات عملية ومنها مثلا فرض عقوبات متنوعة على إسرائيل حتى توقف العدوان وتقر بقيام الدولة الفلسطينية.
أخشى أن تنتهي عملية الاعتراف بالجانب المعنوي فقط، وأن تستمر الدول الأوروبية التي اعترفت بفلسطين في تقديم المساعدات المتنوعة لإسرائيل، خصوصاً العسكرية والاقتصادية، وتكتفي بأن تقول للفلسطينيين والعرب: «لقد أدينا ما علينا من دور، واعترفنا بفلسطين، وهذا أقصى ما يمكن أن نقدمه»؟!
لكن السؤال المهم الذي نكرره كثيراً هو: هل من المنطق أن يطالب العرب والفلسطينيون الدول الأخرى بالتحرك ومعاقبة إسرائيل ولا يفعلون هم ذلك؟!
هل من المنطقي أن يطالب الفلسطينيون ما يسمى المجتمع الدولي بنصرة القضية، في حين أنهم لم يتمكنوا من التوحد على كلمة واحدة منذ عام ٢٠٠٦ وحتى الآن؟!
هل من المنطقي أن يطالب العرب الدول الأخرى بفرض عقوبات على إسرائيل في حين يستمرون هم في إقامة كل أنواع العلاقات معها، ولا يجرؤون حتى على وقف المجال الجوى أمام الطائرات الإسرائيلية المدنية، أو وقف العلاقات التجارية معها ناهيك عن سحب السفراء أو تجميد العلاقات؟!
ما الذي ينتظره العرب لاتخاذ خطوات عملية واضحة، بعد أن قال نتنياهو إنه لن يكتفي فقط بتهجير الفلسطينيين بل سيعمل على تنفيذ إسرائيل الكبرى؟!