تاريخ النشر: 11 أيلول 2025


آراء
مصر في مواجهة جريمة تهجير الشعب الفلسطيني
الكاتب: عمرو حمزاوي


بينما تواصل حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب حرب الإبادة في غزة وتصعد تصريحاتها العدائية وغير المسؤولة ضد مصر الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية بتهجير أهل القطاع وبتوسيع الاستيطان الإجرامي في الضفة الغربية، تتحرك القاهرة بدبلوماسية رشيدة وذكية لمواجهة الخطط الإسرائيلية.
تستمر مصر في جهود الوساطة والمساعي التفاوضية بالشراكة مع الولايات المتحدة وقطر لإنفاذ المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار يشمل كف الآلة العسكرية لتل أبيب عن مدينة غزة والمدن الأخرى وإفراج حركة حماس عمَّن ما زالت تحتجز من الرهائن الإسرائيليين، الأحياء منهم وجثث الأموات، والإفراج عن عدد معتبر من الأسرى الفلسطينيين.
تستمر مصر، أيضاً، في حشد التأييد الإقليمي والدولي لخطة إعادة إعمار غزة التي طورتها القاهرة، وتبنتها جامعة الدول العربية.
تطرح الخطة مراحل متتابعة لإنهاء الكارثة الإنسانية في القطاع بتكلفة إجمالية قدرها ٥٣ مليار دولار وعلى مدى خمس سنوات تبدأ بالضغط على إسرائيل للسماح بإدخال ما يكفي من الغذاء والمياه والدواء لإبعاد شبح المجاعة عن الغزاويين ثم باستقدام معدات ومواد الإعمار وما يلزم لتقديم الخدمات الأساسية.
يلي ذلك جهود مصرية وإقليمية ودولية لإزالة الأنقاض المهولة التي تراكمت على امتداد القطاع وتوفير وحدات سكنية ورعاية صحية متنقلة لأكثر من مليونين من الفلسطينيين.
كما أن خطة إعادة الإعمار، وهي صارت محل دعم من الوكالات الأممية ومن الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي وعديد التجمعات الإقليمية، تتضمن تحديد سبع مناطق في غزة يُنقل إليها السكان مؤقتاً لكي تتم إعادة بناء المنازل والبنية التحتية والمرافق (أولاً في جنوب غزة ثم في القسمين الأوسط والشمالي) وتتضمن التوافق حول آليات لحكم غزة وتحقيق الأمن تحت إشراف السلطة الوطنية الفلسطينية وبدعم عربي وآليات لإدارة ملف سلاح حماس والفصائل الأخرى بإخضاعه لسيادة السلطة الوطنية. فتقترح الخطة أن تُدرّب الأجهزة الأمنية المصرية والأردنية قوات الأمن التابعة للحكومة الفلسطينية قبل أن تتولى مهامها في غزة، وأن تكون حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى خاضعة لإشراف قوات الأمن الفلسطينية تلك بدعم وإسناد عربيين، وأن تشكل لجنة حكم فلسطينية لغزة تضم تكنوقراطاً مستقلين.
تدعو خطة إعادة الإعمار المصرية - العربية، وهي صارت مرتكزاً للفعل الدبلوماسي للقاهرة، الأمم المتحدة إلى التوافق حول تشكيل ونشر قوات لحفظ السلام في غزة والضفة الغربية للحد من العنف وتوفير الأمن وكذلك حول عودة الوكالة الأممية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) للمساعدة في تخفيف معاناة المدنيين في غزة ما أن يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار.
• • •
أما بالنسبة لإسرائيل وحكومة اليمين المتطرف الحالية التي لا تتوقف عن الاستفزاز الكلامي والسياسي لمصر من خلال الترويج لجريمة تهجير الشعب الفلسطيني من غزة والتوسع في الاستيطان في الضفة، فتتمثل أولويات القاهرة في منع أي مساس بالسيادة الوطنية أو تهديد لأمننا القومي بإفشال خطط التهجير الإجرامية من القطاع، وفي مواجهة خطر تصفية القضية الفلسطينية بخليط التهجير والاستيطان، وفي الحفاظ على تماسك معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية بكل ضماناتها وملاحقها الأمنية.
لمصر من مصادر القوة الذاتية ومن التأييد الإقليمي والدولي ما يمكنها من الوقوف في وجه الاستفزازات الإسرائيلية وفي الحيلولة دون تصفية القضية الفلسطينية مع مواصلة الالتزام بدبلوماسية السلام والتفاوض والوساطة.
على حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب أن تدرك أن تهجير سكان غزة يهدد بشكل مباشر ركيزتين من ركائز الأمن القومي المصري، وهما: منع جميع أشكال الوجود الجماعي للاجئين الفلسطينيين على الأراضي المصرية ومنع تصفية القضية الفلسطينية بإبعاد الشعب الفلسطيني عن أرضه.
على حكومة بنيامين نتنياهو أن تدرك أيضاً أن خطط التهجير الإجرامية تهدد بشكل مباشر السلام بين مصر وإسرائيل القائم منذ العام ١٩٧٩ والمستند إلى الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية وعدم الاعتداء.
ليس سراً أن مصر ترى في خطط التهجير من غزة وخطط الضم والاستيطان في الضفة الغربية ما من شأنه أن يزعزع استقرار الشرق الأوسط ويزعزع استقرار الجوار الأوروبي وحوض البحر المتوسط بأكمله الذي لم يعد يحتمل موجات عاتية جديدة من التهجير والنزوح واللجوء.
لن تُؤدي خطط التهجير في غزة وخطط الضم في الضفة الغربية إلا إلى المزيد من العنف وغياب الأمن والويلات الإنسانية التي سندفع جميعاً في الشرق الأوسط وفي أوروبا وفي العالم كلفتها سياسياً ومجتمعياً وتنموياً.
• • •
إقليمياً، وكما يدلل القرار المتعلق بترتيبات الأمن الجماعي الذي اعتمده بمبادرة مصرية سعودية مشتركة مجلس جامعة الدول العربية في اجتماعه قبل أيام، تنشط القاهرة لصناعة التوافق حول مبادئ شاملة لإنهاء الحروب والمواجهات العسكرية وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط جوهرها احترام السيادة والحدود الوطنية للدول وعدم التدخل في شؤون الغير وحل النزاعات والصراعات (إن بين الدول أو بداخلها) سلمياً وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة كأمر لا بديل عنه لإخراج منطقتنا من وضعية غياب الأمن الراهنة.
ويذهب في ذات الاتجاه الطرح المصري المتعلق بضرورة إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل (والثابت أن إسرائيل هي وحدها التي تمتلكها في المنطقة) والحد من سباقات التسلح التي تحملنا ثمناً تنموياً باهظاً نحن في غنى عنه.
• • •
ولجهة الولايات المتحدة الأميركية، ومع أهمية تسجيل القاهرة لرفضها القاطع لكل اقتراب من قبل واشنطن من الخطط الإجرامية لليمين المتطرف في تل أبيب، فإن علاقات الصداقة والتعاون بين مصر والولايات المتحدة ليست على وشك التأزم أو الانهيار.
يجب على القاهرة رفض سياسات واشنطن المنحازة لليمين الإسرائيلي المتطرف، ويمكنها الرد بفعالية على امتناع إدارة دونالد ترامب عن الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو لوقف حرب الإبادة في غزة بالتحرك النشط إقليمياً ودولياً للمطالبة بوضع حد للمأساة. فقدرات القاهرة الدبلوماسية والسياسية تمنحها مساحة واسعة للحوار مع واشنطن حول جهود وقف إطلاق النار وخطط إعادة الإعمار والتوصل التدريجي إلى هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل وفلسطين تمكن من العودة إلى مفاوضات سلام دائم.
دون الخضوع لإملاءات أميركية لا تقبلها مصر أو الصمت على السياسات والممارسات المنحازة لإسرائيل والمقوضة للأمن المصري والعربي، تستطيع القاهرة الحفاظ على علاقاتها الطيبة مع واشنطن، والبحث المستمر عن فرص توظيفها إيجابياً.
الأمر هنا لا يتعلق بالمساعدات العسكرية أو الاقتصادية التي تتلقاها مصر من الولايات المتحدة والتي تأتي مقابل مزايا استراتيجية كبيرة تحصل عليها القوة العظمى، بل يرتبط بالدور الأميركي المؤثر في قضايا الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط وفي شمال إفريقيا وفي القرن الإفريقي وفي عديد القضايا الاقتصادية والسياسية الدولية.
ليس لمصر أي مصلحة استراتيجية في التخلي عن علاقات الصداقة والتعاون مع الولايات المتحدة أو وقف الحوار الجاري معها.