
لندن - "فايننشال تايمز"، وكالات: في تحول غير متوقع في سباق التكنولوجيا العالمي، أصبح التركيز لا ينصب على سرعة الشرائح الإلكترونية، بل على القدرة الكهربائية لتشغيل مراكز البيانات الضخمة.
ويكشف تقرير حديث لصحيفة "فايننشال تايمز"، أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي أصبح اليوم مرتبطاً بمصادر الطاقة أكثر من الرقائق نفسها، ما يفتح الباب أمام الصين لتحقيق أفضلية استراتيجية على منافسيها.
وأصبح السباق الحقيقي اليوم حول من يملك الطاقة لتشغيل هذه النماذج العملاقة، وليس من يصنع أسرع شريحة.
فالنموذج مثل "GPT - 4" يستهلك سنوياً أكثر من 463 ألف ميغاواط/ساعة من الكهرباء، أي ما يعادل استهلاك 35 ألف منزل أميركي في عام واحد.
ومع تضاعف عدد مراكز البيانات حول العالم لتلبية الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي، يُتوقع أن يصل استهلاك الكهرباء العالمي إلى 1800 تيراواط/ساعة بحلول 2040، أي طاقة تكفي لتغذية 150 مليون منزل أميركي.
الصين قد تتفوق
في تصريح صادم، قال رئيس شركة "إنفيديا" الأميركية العملاقة لصناعة الرقائق، جنسن هوانغ، إن الصين قد تفوز بسباق الذكاء الاصطناعي، ما أثار حيرة الكثيرين.
فالصين لم تصل بعد إلى مستوى الرقائق المتقدمة التي تنتجها "إنفيديا"، لكن هوانغ يرى أن التطور في الذكاء الاصطناعي أصبح مقيداً بالطاقة الكهربائية أكثر من الشرائح نفسها.
وهنا تتضح أفضلية الصين، حيث أضافت في العام 2024 وحده 356 غيغاواط من الطاقة المتجددة، متجاوزة بكثير إجمالي ما أضافته الولايات المتحدة.
بينما تواجه الأخيرة ارتفاعاً غير مسبوق في تكلفة الكهرباء قرب مراكز البيانات بنسبة 267% خلال خمس سنوات، كما انخفض الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة الكبرى بعد قرار إدارة ترامب بوقف دعم الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
المفارقة الكبرى أن السباق إلى الذكاء الاصطناعي بدأ برقائق السيليكون، لكن نهايته ستُكتب بالكهرباء، ومن اللافت أن الصين، بقدرتها على توفير الطاقة الرخيصة والمتجددة، تستطيع تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي بتكلفة أقل، والتغلب تدريجياً على تأخرها في الرقائق.
وهذا ليس بالجديد على التاريخ. فكل قوة تكنولوجية عظيمة اعتمدت على مصدر طاقة رخيص ومتوافر؛ فبريطانيا اعتمدت على الفحم خلال الثورة الصناعية، والولايات المتحدة اعتمدت على النفط والطاقة الكهرومائية في القرن العشرين، أما اليوم فالذكاء الاصطناعي يسير على النهج نفسه؛ حيث القوة لمن يملك الطاقة.
وفي خطوة فاجأت الأسواق العالمية، أعلن عملاق الاستثمار الياباني "سوفت بنك" عن تخليه عن كامل أسهمه في شركة "إنفيديا"، بقيمة تجاوزت 5.8 مليار دولار، ما أدى فوراً إلى هبوط سهم الشركة بما يقارب الـ 4% قبل أن يشهد تعافياً جزئياً، ما أثار موجة من التساؤلات بين المستثمرين حول الدوافع التوقيتية والاستراتيجية لهذا القرار.
ويتساءل الخبراء والمحللون: هل فقدت "سوفت بنك" الثقة في نجم الذكاء الاصطناعي الأول، أم أن وراء هذه الصفقة تحركاً أكبر نحو مستقبل التقنية؟
أما الخبراء الذين يراقبون تحركات "سوفت بنك" فيؤكدون أن الشركة لا تهرب من المستقبل، بل تسعى للريادة فيه.
وفقاً لتقرير شبكة" سي ان بي سي"، جاءت هذه الصفقة بالتزامن مع إعلان "سوفت بنك" تحويل تركيزها نحو شركة "اوبن ايع آي"، المالكة لـ "تشات جي بي تي"، في إشارة واضحة إلى أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مرتبطاً فقط بشرائح "إنفيديا"، بل بالعقول والابتكار الذي تقوم هذه الشركات بتطويره.
لكن موجة القلق لم تبتعد، خصوصاً مع قيام المستثمر الشهير مايكل بيري، الرجل الذي تنبأ بأزمة 2008، بالمراهنة ضد "إنفيديا"، محذراً من أن بعض شركات التكنولوجيا قد تضخم أرباحها من خلال ما وصفه بـ"الخداع المحاسبي"، مؤكّداً أن تمديد العمر الافتراضي لخوادم "إنفيديا" قد يخفي ما يصل إلى 176 مليار دولار من التكاليف بين عامي 2026 و2028.
في المقابل، يرى محللون آخرون أن ما حدث مجرد تصحيح طبيعي للسهم قبل إعلان نتائج أرباح الشركة المرتقبة الأسبوع المقبل، مؤكدين أن "إنفيديا" ما زالت تحتفظ بموقع القيادة في السوق بلا منافس حقيقي.
ويبقى السؤال: هل كانت خطوة "سوفت بنك" عملية استراتيجية ذكية للتموضع قبل انفجار محتمل في قطاع الذكاء الاصطناعي، أم أنها مجرد إعادة ترتيب للتركيز على الفرص القادمة؟