تاريخ النشر: 26 تشرين الأول 2025

"الأيام" ترصد مشاهد جديدة من غزة في ظل وقف إطلاق النار

 

كتب محمد الجمل:

 

رصدت "الأيام" مجموعة جديدة من المشاهد في اليوم الـ16 لوقف إطلاق النار بقطاع غزة، من بينها مشهد يكشف استكمال الاحتلال تدمير ما تبقى من مدينة رفح، ومشهد آخر يوثق جرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال بحق شهداء السابع من تشرين الأول قبل إعدامهم، ومشهد ثالث يكشف تعرض عمال القطاع لانتهاكات جسيمة.

 

استكمال تدمير رفح

استغل الاحتلال التهدئة الحالية، وتوقف المعارك، من أجل استكمال تدمير ما تبقى من منازل وبنية تحتية في مدينة رفح، جنوب قطاع غزة.
وما زالت أصوات الانفجارات القوية تسمع يومياً داخل مدينة رفح، وتُشاهد سُحب كثيفة من الغبار تتصاعد، ما يُشير إلى أنها نجمت عن عمليات نسف.
كما أفيد بنقل عشرات الجرافات ومعدات التدمير الثقيلة من مدينة خان يونس باتجاه رفح، حيث شرعت الأخيرة باستكمال تدمير ما تبقى من منازل، خاصة في أحياء الجنينة، وخربة العدس.
ووفق مصادر متعددة، فإن عمليات تدمير مدينة رفح تسارعت منذ بدء تطبيق اتفاق التهدئة الأخير، خاصة في المناطق الشرقية والشمالية.
وقال المواطن علي سلامة من سكان مدينة رفح، الذي يعيش نازحاً في مواصي خان يونس: إنه شاهد صوراً للأقمار الصناعية لمدينة رفح قبل شهر، ثم شاهد صوراً أخرى قبل أيام، وبالمقارنة بين الصور القديمة والجديدة يتضح أن الاحتلال وسّع وكثّف عمليات التدمير في رفح، لتشمل مناطق جديدة.
وأشار إلى أن الكثير من الكتل العمرانية، التي كانت ظاهرة في الصور السابقة، اختفت من الصور الحديثة، خاصة في حي الجنينة، وخربة العدس، وهذا دليل على أن الاحتلال ماضٍ في خطة تدمير مدينة رفح بالكامل، حيث تشير آخر الإحصاءات إلى أن نسبة تدمير المدينة تجاوزت 97%، وهناك أحياء مُسحت بالكامل، خاصة الحي السعودي، وحي تل السلطان، ومناطق جنوب المدينة.
من جهته، قال المواطن يوسف عطية، الذي يعيش قرب منطقة "المسلخ"، في مواصي خان يونس: إن وجوده في منطقة مرتفعة يمكّنه من رؤية مدينة رفح من بعيد، موضحاً أن ما لاحظه أن المدينة تتعرض لعمليات تدمير متواصلة ومكثفة، فيومياً تنفذ قوات الاحتلال عمليات نسف لمربعات سكنية، بعد إتمام تفخيخها بالمتفجرات، كما يُشاهَد من بعيد غبار ناجم عن عمل جرافات عسكرية تقوم بهدم المنازل.
وبيّن أنه يشاهد من بعيد شاحنات تنقل ركاماً من الحي السعودي باتجاه منطقة على شاطئ البحر في المدينة.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية أكدت رغبتها في إعمار مدينة رفح، في الفترة المقبلة، باعتبارها خارج سيطرة "حركة حماس"، ما يشير إلى نية إسرائيل أن تقيم بقطاع غزة في المستقبل.

 

جرائم حرب

أجمع حقوقيون على أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب صريحة، بعد تعمدها التنكيل بجثامين الشهداء الذين جرى تسليمهم مؤخراً، وإثبات تعرض بعضهم للإعدام وهم أحياء، إما بوساطة إطلاق النار من مسافات قريبة، أو من خلال شنقهم بالحبال وهم أحياء.
وأكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن الجثامين التي سلّمها الاحتلال مؤخراً تحمل دلالات خطيرة، إذ تُظهر دلائل واضحة على تعرّض العديد منهم لجرائم تعذيب وتنكيل وحشي ومتعمّد تسببت بمعاناة شديدة، وتشير إلى أن عدداً منهم أُعدم بعد احتجازه، في انتهاكٍ جسيمٍ لقواعد القانون الدولي، مؤكداً أن هذه المعطيات الخطيرة تفرض فتح تحقيق دولي عاجل ومستقل لكشف ملابسات الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها بما يضمن إنصاف الضحايا، وتكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب.
ولفت "الأورومتوسطي" إلى أن الفحوص الطبية وتقارير الطبّ الشرعي، إلى جانب مشاهدات فريقه الميداني، أظهرت دلائل دامغة على أن العديد من الضحايا قُتلوا بعد احتجازهم، إذ وُجدت على أجسادهم آثار شنق وحبال واضحة حول الأعناق، وإصابات ناجمة عن إطلاق نار مباشر من مسافة قريبة جداً، وأيدٍ وأقدام مربوطة بمرابط بلاستيكية، وعيون معصوبة، فضلاً عن جثامين سُحقت تحت جنازير دبابات، وأخرى تحمل آثار تعذيب جسدي شديد، وكسور، وحروق، وجروح غائرة.
وطالب المرصد بالسماح فوراً بوصول بعثات طبية شرعية ومستقلّة وخبراء في الطب الشرعي والحمض النووي، داعياً إلى التعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتسريع عملية التعرّف على الضحايا وتسليمهم لعائلاتهم، وإتاحة إجراءات طارئة لتوثيق الأدلة قبل أن تتلف، إضافة إلى تقديم دعم إنساني ونفسي لأسر الضحايا.
وشدد المرصد على أن المعطيات الواردة تكشف نمطاً مروّعاً من الإعدامات الميدانية والتعذيب المنهجي الذي مورس بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، بما يشير إلى سياسة متعمّدة تستهدف إلحاق أقصى درجات المعاناة الجسدية والنفسية بالمحتجزين، وصولاً إلى قتلهم، مشدداً على أن هذه الممارسات تعكس استخداماً منهجياً للقتل والتعذيب كوسائل للإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، إذ تُوظّف المعاناة المفرطة والتصفية المتعمّدة للمحتجزين كجزء من مسار منظّم يستهدف القضاء على الجماعة الوطنية الفلسطينية مادياً ومعنوياً.
وشدّد على أن هذه الممارسات تمثل انتهاكات مركّبة وجسيمة تجمع بين القتل العمد، والتعذيب المحظور بشكلٍ مطلق بموجب القانون الدولي، والمعاملة القاسية والمهينة، واستهداف الكرامة الإنسانية، وتستوجب تحقيقاً دولياً فورياً ومساءلةً جنائية على أعلى المستويات.

 

انتهاكات لحقوق العمال

يعيش غالبية سكان قطاع غزة ظروفاً مأساوية في ظل الفقر والبطالة، في حين يستغل أرباب العمل تلك الظروف، وينتهكون حقوق العمال بشتى الطرق والوسائل.
ومن أبرز صور انتهاك حقوق العمال، تخفيض الأجرة اليومية لتتراوح بين 15 و35 شيكلاً، مقابل ساعات عمل تزيد على 10 ساعات في بعض الأحيان، وإعطاء العمال سلعاً غذائية وتموينية بدلاً من النقود، بحجة عدم توفر السيولة.
وذكر الفتى عبد الله مصطفى (16 عاماً) أنه عمل في مصنع حلوى صغير، معظم العاملين فيه تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً، وكان صاحب العمل يشغلهم 10 ساعات يومياً، تتخللها راحة 40 دقيقة عند الظهيرة.
وأكد أنهم كانوا يعملون في تغليف الحلوى، ويقضون يومهم واقفين على أرجلهم، وكل هذا كان مقابل 20 شيكلاً يومياً فقط، وهذا المبلغ الزهيد لا يشتري شيئاً في ظل الظروف الحالية، حيث بلغ ارتفاع السلع أكثر من 800%، في بعض الأحيان.
وأشار إلى أنه عمل لأسبوع، ولم يستطع إكمال العمل الشاق، خاصة أنه يعمل في خيمة كبيرة، والجو في النهار يكون حاراً، موضحاً أنه توقف عن العمل.
أما الفتى محمود صبحي (17 عاماً)، ويعمل عتالاً لدى أحد تجار المواد الغذائية، فأكد أن عمله يتمثل في نقل كراتين المواد الغذائية من أمام المخزن التابع للتاجر إلى الداخل، ورصّ كل نوعية على حدة، وتنظيف المخزن، مبيناً أنه لا يتقاضى مالاً مقابل ذلك، بل يحصل على مواد غذائية من تلك المتوفرة لدى التاجر بقيمة لا تتجاوز 30 شيكلاً يومياً، ومعظمها عبارة عن عبوات فتحت نتيجة التحميل، بمعنى أنه لا أحد يقبل بشرائها.
وأكد أن العمل شاق جداً ويشعر خلاله بتعب شديد، وتلازمه آلام في ظهره، لكنه مجبر على ذلك، فوالده مصاب وطريح الفراش، ولا يستطيع التحرك، وهو أكبر أشقائه.
ويتلخص انتهاك حقوق العمال في ظل الحرب في أمرين، الأول عدم الالتزام بالحد الأدنى للأجور في فلسطين وهو 85 شيكلاً يومياً، وتشغيل الأطفال دون السن القانونية، وهو أمر محظور في القوانين الفلسطينية، خاصة إذا كان العمل في مهن صعبة وقاسية.