تاريخ النشر: 21 تشرين الأول 2025

دردشة مع الفنان خالد الغول: عصر الثمانينيات المقدسي كان زاهياً في العمل الثقافي

 

حاوره زياد خداش:

 

هذا خالد الغول، ضابط الإيقاع في فرقة الفنون الشعبية والمقدسي ابن سلوان، في فعاليات وعروض الفرقة دائماً نبحث عنه، أو بالأحرى هو يبحث عنا فيصلنا إيقاعه، فأحس أن إيقاع الليلة مضبوط على مساء شغف ومرح وثقافة وحب وانتماء إلى فلسطين، فكرة ورؤيا.
لخالد بصمة واضحة في خريطة العمل الثقافي المؤسساتي، موقعه السابق في "يبوس" أتاح له دعم الكثير من الأفكار الثقافية النيّرة. هذه دردشة معه:

 

* عملت فترة طويلة عازف إيقاع لفرقة الفنون الشعبية الفلسطينية. ما الذي أضافته لك هذه الفرقة الشهيرة؟
- التحقت بفرقة الفنون الشعبية الفلسطينية منذ 42 عاماً، وعندما بدأت مشواري الفني فيها لم يكن في الفرقة سوى عازف "شبّابة". وكانت الفرقة تبحث عن ضابط إيقاع للفرقة، ومنذ اليوم الأول للالتحاق بها والأصدقاء ينادونني باللقب المحبب إلي "طَبّال الفنون"، وحتى هذه الأيام يسعدني جداً أن أشارك في العروض الحيّة التي تقدمها الفرقة كواحد من العازفين فيها.
منذ اليوم الأول حتى هذا اليوم، تعتبر الفرقة بالنسبة لي ورشة فنية وذهنية ووجدانية نابضة، ومختبراً ابداعياً وقيمياً ومعيارياً، ساهمت وتساهم في صقل وبناء شخصيتي الفنية والثقافية والاجتماعية والإنسانية في فضاء من التنوع والتدفق الحيوي الداخلي. لا يقتصر دور العضو فيها على أداء مهمته كفنان أو إداري أو تقني. ولا تنحصر مساحة تأثيرها في قاعة التدريب أو خشبة المسرح، بل هي حياة دافقة تصقل أعضاءها وتعيد بناء تكوينهم الثقافي وهويتهم الفنية وشخصيتهم الاجتماعية بشكل سلس ورشيق، وتزرع في وعيهم ووجدانهم وضميرهم معاني وقيما راسخة.
تعلمت في الفرقة كيفية الإحاطة بأدوات الإنتاج ببراعة، مع المحافظة على استقلالية المبدع كشرط لنجاحه واستمرار وجوده، فلا يتبع لأي شخص، ولا يرتهن بأي مؤسسة. وكيفية الجمع بين احترافية المتطوع، وتطوعية المحترف.
وتربيت فيها على نهج الانبناء في سياق متعَرِّج نتعلم فيه فن الحياة في غمرة الابتِداع، وكيفية الاستفادة من الهفوات ومن المُنحدَرات والمُنزَلقات كتحديات من اجل الصعود والتحليق، وكيفية التعلم من التهميشِ والإقصاء كفرص لفرض الحضور الناصع بأعلى تجلياته.

 

* عازف الإيقاع ضروري في الفرقة فهو أهم من يضبط مع آخرين الإيقاع العام للعرض. كيف تقيم تجربة فرقة الفنون، الآن. هل من ملاحظات؟
- ابتكرت الفرقة خلال ممارستها الفنية والإدارية آليات عملها الخلاقة. وما زالت تنبض بانضباط وعذوبة وانسجام يجمع ببراعة بين الجماعي والذاتي. وإنه لشرف عظيم لي أن أكون واحداً من المساهمين في ضبط الإيقاع، ورسم المعالم وصياغة الرؤى بما يتناغم مع أصل الفكرة وفصل القول والخطاب. إن مختبر الفرقة النابض دوماً يضعها في معمعان الأسئلة المثارة، ويساعدها على طرح القضايا ومناقشة المسائل في سياقٍ إبداعي إنساني تفصيلي. والى جانب أعمالها الفنية المتعاقبة في سياق تطورها الطبيعي، فإنها تساهم في السجال المجتمعي، وتعبّر عن رأيها في التطبيع الثقافي، والتمويل، وعلاقة المثقف بالسلطة، والتبعية الثقافية، والسياسة الثقافية، والتطور الطبيعي للكيانات الفنية، والعلاقة بين الذات والجماعة في الإبداع، والتسليع، والتسامي، وحرية الإبداع، والتنوع الثقافي، والتطوع والاحتراف في العمل الفني، وغيرها من القضايا والإشكاليات.

 

* أنت ابن القدس ولديك خبرة ومعرفة بالحياة الثقافية فيها. متى كانت القدس في عز صخبها الثقافي؟ في أية مرحلة زمنيا؟ من يخنق القدس ثقافياً، الآن؟
- من خلال معايشتي واطلاعي على مسار العمل الثقافي في القدس، ومع أني لست من عشاق الحديث عن "الزمن الجميل" أو "العصر الذهبي"، إلا أنني أرى في عقد الثمانينيات مرحلة زاهية وناصعة على مستوى العمل الثقافي. مهدت لها إرهاصات السبعينيات.. وكانت مدينة القدس تشكل موقعاً متقدماً تتمركز فيه المؤسسات والمراكز الثقافية والإعلامية المعبرة عن البرنامج الوطني الفلسطيني، بأشكال ثقافية وإبداعية وإعلامية متنوعة، أفضت إلى دينامية عالية ومميزة جعلت مدينة القدس رأس الحربة السياسية والأيديولوجية في معركة البقاء الوطني الفلسطيني.
تفاقمت معاناة المدينة من خلال النقص الشديد في مقومات البنية التحتية مثل المراكز والمؤسسات الثقافية والفنية المتخصصة والمتنوعة ومن التجهيزات التقنية والكوادر الإدارية، التي يمكن أن تضمن استمرارية، وانتظام العمل الثقافي والفني الفلسطيني فيها.


* تبنيتَ، مؤخراً، دعوة لإنشاء مكتبة في القدس لتفعيل الحياة الثقافية. برأيك ما الذي ستضيفه مكتبة جديدة في القدس؟
- لمعت شرارة المبادرة بالصدفة، وفي ظروف اجتماعية محضة. ففي زيارة اجتماعية لجمعية أهلية تعنى بشؤون الناس الاجتماعية والثقافية في القدس. قال لي أحد العاملين فيها، إن مقر الجمعية المقامة سيتم هدمه ويتحول إلى بناية تجارية. وعرض عليّ أن آخذ الكتب والمخطوطات من المقر قبل هدمه. وبالفعل نقلت الكتب. وفي ذات الأسبوع، طلب مني صديق بعض الروايات والدواوين الشعرية لابنه اليافع، الذي ما زال معنياً بقراءة الكتب المطبوعة ولم تسيطر عليه بعد عقلية التذوق للأعمال الأدبية من خلال التكنولوجيا الحديثة والرقمية. وبعد أن زودت الفتى بالكتب التي طلبها، نشرت على صفحتي في "فيسبوك" طالباً التبرّع بكتب تحت عنوان "نحو مكتبة أهلية عامة في القدس"، فلبّى الكثيرون من الأصدقاء الطلب، وانهالت عروض التبرع بالكتب والمساعدة، وما زلت منهمكاً في جمع الكتب والبحث عن مكان مناسب يلبّي الغرض، ويستطيع أهل القدس بمختلف فئاتهم وشرائحهم الوصول إليه بسهولة، والاستفادة من البرامج التي سيتم تنفيذها فور افتتاح المقر كمكتبة أهلية حيوية وفاعلة.
مبادرة المكتبة العامة لا تهدف إلى بناء علاقة صنمية ميتة مع الكتاب أو المخطوطة أو الوثيقة، بل تحرص على بناء علاقة حوارية مع النص، وتسعى إلى إعادة الاعتبار إلى مفهوم القراءة كفعل نقدي، وتسعى إلى توفير الأدوات والوسائط المختلفة التي تعزز وتشجع على القراءة، وإلى توفير منابر للتفكير والتعبير والأداء الحر والمنفتح في مختلف مجالات التعبير الفني والأدبي، من خلال ورش ودورات متعاقبة ومنتظمة، وإعادة تنظيم الفعاليات التي كانت تنظم سابقاً في القدس من ندوات ثقافية وأمسيات أدبية كانت تشهدها مختلف الجمعيات والأندية والاتحادات الفاعلة في المدينة حتى نهايات القرن الماضي.