تاريخ النشر: 19 تشرين الأول 2025


آراء
«فـتـيـات الـتـلال» واجهة استيطانية ناعمة!
الكاتب: ريما كتانة نزال

تمضي إسرائيل باتجاه تنفيذ خطة الحسم الاستعماري على الأرض، في إطار ما تعتبره الحق الإلهي في السيطرة على ما تبقى من الضفة الغربية المحتلة، في لحظة تبدو كإحدى اللحظات التاريخية السانحة، نحو استكمال ما بدأته لتغيير خارطة الشرق الأوسط الجديد دفعة واحدة، وتكريس المشروع الاستيطاني وفكرة إسرائيل الكبرى لمنع إقامة دولة فلسطينية على الأرض وفرض الهيمنة على المنطقة، وصناعة فلسطين جديدة ترزح تحت السيطرة.
المجتمع الإسرائيلي الذي ذهب بقوة نحو اليمين العنصري المتطرف، يعتريه الشبق تجاه التهام المنطقة، هذه الحيوية برزت منذ عامين، فلم يمضِ أسبوع دون رؤية الحشود المطالبة بالضغط للإفراج عن الرهائن علاوة على بروز تفاصيل وشواهد كثيرة، منها السباق التنافسي بين مختلف القطاعات السياسية والاجتماعية للبروز بنفسها، ومن ضمن من عمل على حجز موقع له بالمشهد العام قطاع الفتيات الشابات، الذي عمل على إبراز نفسه كظاهرة جديدة داخل المستوطنات لتأخذ مكانها في قلب المشروع الاستيطاني الإسرائيلي ومبادرتها إلى تعريف نفسها باسم «فتيات التلال»، المشكلة من مجموعات من شابات يهوديات مؤدلجات ينتمين غالبا إلى التيار القومي الديني، يضحين بمقاعد الدراسة والحياة الطبيعية، وينتقلن للعيش في خيام أو مساكن بدائية على قمم الجبال في الضفة الغربية احتذاءً بظاهرة الفتيان والشباب التي تبدو كظاهرة للوهلة الأولى خيارا زاهدا ومتقشفا، لكن هدفها ومكانها العملي يجعلها أداة مباشرة لتوسيع رقعة الاستيطان الاستعماري على الأرض الفلسطينية.
تعود الظاهرة بجذورها إلى ظاهرة فتيان التلال أو ربما تبدو كفرع نسوي لحركتهم المعروفة بشباب التلال والتي ظهرت في بداية الألفية الثانية، بدعم ضمني ورعاية سياسية وتغذية عنصرية متطرفة من التنظيمات الدينية المتطرفة المتنامية على خطاب الاستيطان والتهجير والتنكيل؛ كحزب الصهيونية الدينية الذي يتزعمه بتسلئيل سموتريتش وحزب القوة اليهودية.
ربما يعتقد البعض أو يصور حراك فتيات التلال كشكل من أشكال الحراك النسائي الصهيوني، أو كتعبير عن كسْر القوالب الاجتماعية أو وضع التشكيل كظاهرة تحررية ومقاربة جندرية تقدم نموذجا حداثيا أو التحرر من أدوار نمطية وفك قيود نُظمٍ اجتماعية، لكن التغطية الإعلامية تسوق قصصهن كتمرد رومانسي ضد المدنية لسبغ الاستيطان بطابع رومانسي خاص بنكهة تحررية شعبية، رغم أن الأبعاد الاستعمارية الاستيطانية غير خافية ولا تنطلي على جميع من يرى ويراقب ويعيش الواقع؛ تكشف الأهداف الحقيقية كإحدى الحركات الاستيطانية التوسعية واتخاذ المخيم البدائي الجديد كمعنى، وهو في الحقيقة أنوية استيطانية وبؤر جديدة للاستيطان تتحول لاحقا إلى دائمة، وفي خلفية الحدث تظهر عمليات مصادرات أراضي الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم ونزع ملكيتها منهم، يجعل بنظرهم أن مشاركة الفتيات الشابات تلطف من صورة الاستيطان بينما في جوهره سرقة وسطو وتمييز عنصري فاقع، يلقى التشجيع من الحكومة لتسريع وتيرته ومضاعفة الجهد وتوسيعه.
ربما، لا بد من المزيد من الشرح والتدقيق في الظاهرة ومقارنتها بعملية التجنيد الإجباري في دولة الاحتلال التي كما هو معروف لا تميِّز بين الجنسين، لكن المشاركة في المؤسسة العسكرية تنضبط لقوانين ومهام أمنية تبقي المجندات في الجهاز العسكري خاضعات لقوانين ومفاهيم عسكرية ذكورية تمييزية.
دور «فتيات التلال» غير رسمي وطوعي، وهي كظاهرة بمثابة خيار فردي لتصبح الفتيات طليعة المشروع الاستيطاني في خدمة أهداف الدولة الاحتلالية، ينطبق عليها تجسيد نموذج النسوية الاستعمارية حيث تتم استعارة خطاب التحرر والمساواة لإخفاء المشروع الإحلالي والتطهير العرقي، كواجهة حداثية لمشروع عنصري استيطاني، وقد سبق الاحتلال في ابتداعه من قبل نظام الفصل العنصري الأبيض في جنوب أفريقيا حين استخدمت النساء البيض في تثبيت نظام الفصل العنصري عبر مؤسسات تعليمية واقتصادية.
لم يعد التحدي الفلسطيني يقتصر على مواجهة الجندي أو المستوطن المسلح فقط، بل مواجهة أشكال جديدة من الحضور الاستيطاني المقنّع بخطاب نسوي زائف لا شك بأنه يأتي في نطاق تسويق وترويج دولة الاحتلال لنفسها كدليل للحرية والمساواة دون استبعاد أن تكون نشأة الظاهرة في إطار إعادة إنتاج أدوار القوة ضمن المنظومة الاستعمارية، ما يقتضي العمل فلسطينيا على كشفها وتفكيكها باعتبارها ظاهرة استعمارية كجزء من منظومة الاستعمار والقمع، ولا تخدم تلميع أو تجميل صورة الاستيطان وتغليفه بالقوة الناعمة، لأن الإسرائيليات من البداية كن موظفات في إطار المشروع الاستعماري وفاعلات في حرب الإبادة بالقتل والتهجير والعنف اليومي.
«فتيات التلال» ليست مجرد ظاهرة نسوية شبابية عابرة، بل مؤشر على قدرة المشروع الاستيطاني على تجديد نفسه وإعادة تدوير الخطابات التحررية لخدمة الاحتلال، وهي ظاهرة صغيرة عدديا حالياً، لكنها كاشفة لأحد أخطر أوجه الاستعمار، حين تتحول النسوية إلى أداة استعمار، ويتحول خطاب الحرية والمساواة إلى واجهة قمع وهيمنة على الآخر.