كتب محمد الجمل:
يعيش سكان قطاع غزة معاناة كبيرة، ويواجهون نقصاً في كل مستلزمات حياتهم، جراء عامين متواصلين من العدوان الإسرائيلي الواسع وغير المسبوق، ورغم ذلك يحاولون التغلب على مختلف الأزمات التي تواجههم.
"الأيام" واصلت رصد مشاهد جديدة من قطاع غزة، منها مشهد تحت عنوان: "خريف بلا زيت وزيتون"، ومشهد آخر جاء تحت عنوان: "عامان على قطع الكهرباء.. كيف تبدو الحياة في غزة"، ومشهد ثالث يوثق تحدي وإصرار طالبة ثانوية عامة من محافظة خان يونس جنوب القطاع الظروف، وتحقيق التفوق، رغم سلسلة من الفجائع التي تعرضت لها وعائلتها.
خريف بلا زيت وزيتون
للعام الثالث على التوالي، حُرم سكان قطاع غزة من موسم قطف ثمار الزيتون، إذ تسببت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة بتدمير ما يزيد على 95% من الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون في مناطق القطاع المختلفة.
وجراء ذلك خسر القطاع أحد أبرز مصادر الثروة الزراعية، فشجر الزيتون في غزة يصنف على أنه واحد من أبرز الرافعات الاقتصادية، حيث تعتاش منه آلاف العائلات، إضافة إلى مساهمته في توفير آلاف فرص العمل المؤقتة في موسم قطفه في شهري تشرين الأول والثاني من كل عام، ويسهم في توفير واحدة من أهم السلع الغذائية للقطاع وهي زيت الزيتون، متعدد الاستخدامات للأسر.
ودمرت آلة الحرب الإسرائيلية هذا القطاع الحيوي، عبر تجريف متعمد لمناطق شرق ووسط قطاع غزة، حيث ذهبت آلاف الدونمات الزراعية المزروعة بأشجار الزيتون، إذ كان يتركز انتشار أشجار الزيتون في الأحياء الشرقية من القطاع على طول الشريط الحدودي الفاصل مع الاحتلال، كما تتواجد مساحات شاسعة منه في منطقة "المغراقة" و"النصيرات" التي جرفها الاحتلال خلال سيطرته على محور "نتساريم".
وقال المزارع حسين معمر، إنه خسر حقل زيتون كبيراً في مناطق شرق مدينة خان يونس، كان بمثابة مصدر دخل مهم للعائلة، حيث كانوا يجنون الزيتون كل عام، ويقومون بعصره، ويبيعون الزيت لمواطنين وتجار، ويحصلون على كمية منه تكفي لاستخدام العائلة طوال العام.
وأكد معمر أن الاحتلال جرف الحقل بالكامل بداية الحرب، إلى جانب حقول أخرى في نفس المنطقة، واقتلع الآلاف من أشجار الزيتون المثمرة من مختلف الأنواع، لاسيما "سري"، وهو أفضلها.
وأوضح أنه جراء العدوان الإسرائيلي فإن الأسواق تخلو تماماً من الزيتون، ويضطر المواطنون لشراء الزيت والزيتون المستورد، في الأوقات التي يفتح الاحتلال فيها المعابر.
ويصنف زيتون غزة كأجود أنواع الزيتون في العالم، وزيته كذلك لطالما نافس في مسابقات عالمية واحتل مراتب متقدمة، وهو ما مكّنه من الوصول بسهولة إلى أسواق الخليج العربي، والعراق، ومصر، بعد أن أثبت كفاءته وجدارته لنيل هذه الثقة.
وكان إنتاج غزة من الزيتون سنوياً يصل إلى حوالى 35 ألف طن، يذهب غالبيته للعصر. كما كان قطاع غزة يضم 40 معصرة لزيت الزيتون، 32 منها تصنف على أنها آلات أوتوماتيكية، و6 معاصر نصف أوتوماتيكية، ومعصرتان تعملان بشكل يدوي عن طريق الضغط الحجري.
عامان على قطع الكهرباء
مرّ أكثر من عامين على قطع إسرائيل جميع مصادر الكهرباء عن قطاع غزة بشكل متعمد، ومنع توريد معدات وأدوات الطاقة البديلة، التي تشمل بطاريات، وخلايا طاقة شمسية، وحتى مصابيح يتم شحنها بواسطة أشعة الشمس.
وخلال العامين الماضيين، حاول مواطنون التأقلم مع نمط جديد من الحياة، لم يعهدوه منذ عقود طويلة، في ظل عدم وجود تيار كهربائي، وعادوا بحياتهم عقوداً للوراء، يحاولون تسيير أمور حياتهم بصورة بدائية، سواء في جلب المياه، أو غسل الملابس، والإنارة، وغيرها من طرق وأساليب الحياة البدائية.
وأشار المواطن خالد سلامة، إلى أن الحياة من دون كهرباء صعبة، لكن مع مرور الوقت اعتاد المواطنون عليها، وبدؤوا بتسيير حياتهم اليومية بطريقة أخرى، بما يضمن سير الحياة.
وبيّن أنه في السابق كانت المياه تصل إلى المنازل عبر أنابيب وخطوط من البلديات، ثم يقوم برفعها بواسطة مضخة كهربائية لخزانات موضوعة في الطوابق العلوية من المنزل، ويستخدمونها من الصنابير، أما الآن تتم تعبئة "جالونات" من نقاط توزيع مياه بعيدة نسبياً عن الخيام، وحملها للخيمة، ثم تفريغها في خزان وهذا نمط صعب وقاسٍ من الحياة، يشبه الحياة التي عاشها الأجداد بعد نكبة العام 1948.
وذكر أن غياب الكهرباء يُجبر زوجته على غسل الملابس بطريقة يدوية تقليدية، في ظل عدم قدرته على تشغيل الغسالة، عدا استغنائهم عن التلفاز، وأجهزة كهربائية كثيرة، منها المكواة، والهوايات، وأجهزة التسخين، والإنارة الحديثة، وغيرها.
أما المواطن عمر ياسين فأكد أن معاناته الأكبر تتمثل في شحن الهواتف النقالة وبطارية صغيرة للإنارة، فأنظمة الطاقة الشمسية التي يمتلكها المواطنون تتعرض للتآكل والتلف، وقلت قدرة العاملة منها، لذلك انخفض عدد المحال والبسطات التي تقوم بشحن الهواتف مقابل أجور مالية، ما اضطره في نهاية المطاف للاتفاق مع اثنين من جيرانه في الخيمة، للاشتراك وشراء خلية شمسية، وبطارية قدرتها أقل من 30%، مع محول صغير، إذ يعمل هذا النظام عند سطوع الشمس، ما يمكنهم من شحن هواتفهم وبطارياتهم الصغيرة، ومع حلول الظلام يتوقف تماماً، فالبطارية لا تخزن الطاقة.
ولفت إلى أنه ورغم التكلفة العالية للنظام المذكور، إلا أنه أراحهم من معاناة الشحن، وقدم لهم مصدراً محدوداً للطاقة، يمكنهم من إنارة خيامهم ليلاً والتواصل مع العالم، عبر إبقاء هواتفهم النقالة تعمل.
تحدّ وإصرار
لم يكن التقدم لامتحانات الثانوية العامة وفق النظام الإلكتروني في قطاع غزة حدثاً عادياً، بل كان أمراً استثنائياً في ظل الظروف العصيبة التي عاشها الطلبة وذووهم خلال حرب الإبادة.
ورغم كل الظروف، استطاع طلبة مكلومون تحقيق التفوق، ومن بين قصص النجاح والتفوق كانت الطالبة ديما محمد إسماعيل الأسطل، الحاصلة على معدل 98.3% في الفرع الأدبي بمديرية التربية والتعليم في خان يونس.
وبينت الأسطل أن أولى الفجائع التي حدثت معها حين داهم جنود الاحتلال منزل العائلة قبل أكثر من عام ونصف العام، واعتقلوا والدها وأخوالها، ونكلوا بالعائلة.
وقالت: كنا وقتها نحمدُ الله أنهم لم يعتقلوا أخي الأكبر إسماعيل ليكون عوناً لنا بعد أسر أبي، ولكن شاء الله أن يستشهد إسماعيل بعد قرابة خمسين يوماً من اعتقال أبي، فقد أُصيب برصاصة اخترقت رأسه من قبل طائرة مسيّرة "كواد كابتر".
وواصلت الأسطل سرد معاناتها وهي تشعر بالحزن والحسرة: حينها ظننت أنها أكبر مصيبة سأتعرض لها، مرت سنة ولم يخرج أبي في أي صفقة، أصبت بالإحباط وانقطعت عن الدراسة، وبعد سنة وثلاثة أشهر وصلت رسالة "أعظم الله أجركم لقد تواصلت معنا جمعية للأسرى وأخبروني باستشهاد والدي في المعتقل".
وأكدت الاسطل أنها وبعد تلقي الخبر بـ20 يوماً فقط، نزحت برفقة عائلتها، وأقاموا خيمة في منطقة غرب خان يونس، لكن المعاناة لم تقف عند هذا الحد، فقد أصيبت برفقة عدد من أفراد عائلتها، جراء قصف إسرائيلي بجوار خيمتهم، وظلت طريحة الفراش لا تقوى على الحركة لمدة شهرين.
وأوضحت أنها قررت أن تتحدى كل الظروف، واستغلت فترة مكوثها في الفراش في آخر أيام سبقت الامتحان، ودرست واجتهدت وثابرت، وتحدت كل الظروف، مشيرة إلى أن الله وفقها، واستطاعت تحصيل معدل مرتفع، وكانت نموذجاً ومثالاً للطالب الذي يتحدى الظروف.