تاريخ النشر: 17 تشرين الأول 2025

"الأيام" ترصد مشاهد جديدة من غزة في ظل اتفاق التهدئة

 

كتب محمد الجمل:

 

دخل اتفاق التهدئة في قطاع غزة أسبوعه الثاني، وما زالت معاناة المواطنين في القطاع تتواصل، ويستمر الاحتلال في خرق الاتفاق بشتى الطرق والوسائل.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من قطاع غزة في ظل الوضع الراهن، منها مشهد يصف تصاعد خروق الاحتلال لاتفاق التهدئة، ومشهد آخر تحت عنوان: "جثامين شاهدة على الجرائم"، ومشهد ثالث يُسلّط الضوء على انتشار الآفات والقوارض بين خيام النازحين في القطاع.

 

تصاعد خروق الاحتلال
شهدت الفترة الماضية سلسلة خروق إسرائيلية لاتفاق التهدئة الحالي، تمثلت في استهداف مواطنين حاولوا العودة إلى بيوتهم، وإطلاق نار باتجاه خيام النازحين، واستمرار تقييد دخول المساعدات الإنسانية للقطاع.
وشهدت الأيام الماضية سقوط أكثر من 12 شهيداً، بعد استهداف مُسيّرات ودبابات مواطنين، حاولوا العودة إلى بيوتهم في مختلف المناطق من جنوب القطاع وحتى شماله.
كما واصلت طائرات الاحتلال المُسيّرة تحليقها بشكل متواصل في عموم أجواء قطاع غزة، بينما تتمركز دبابات على حافة المناطق السكنية في القطاع.
وأكد مواطنون أن الخروق الإسرائيلية للاتفاق تصاعدت بعد إتمام تسليم الأسرى الإسرائيليين الأحياء، وباتت تهدد حياة المواطنين بشكل مباشر، خاصة في مناطق الشجاعية شرق مدينة غزة، وخان يونس جنوب القطاع.
وأشار المواطن إبراهيم المصري، إلى أنه حاول العودة إلى بيته في منطقة "قيزان النجار"، جنوب خان يونس، وفوجئ بتعرض المنطقة لإطلاق نار من قبل دبابة كانت متمركزة قرب "مفترق موراغ" المجاور، بينما تحلّق مُسيّرات فوق المنطقة وتُطلق النار باتجاه المواطنين الذين يحاولون الاقتراب.
وأوضح أن هذا يعد خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار، وتهديداً لحياة المواطنين، الذين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر أن يحدث وقف للحرب كي يتمكنوا من الوصول إلى منازلهم.
بينما اشتكى مواطنون من تعرض خيامهم لإطلاق نار إسرائيلي خاصة في منطقة "الإقليمي، وفش فريش"، ومحيط أبراج حمد، في خان يونس.
وبيّن المواطن سامي أبو رزق، الذي يقطن في خيمة قرب منطقة "الإقليمي"، أنه لم يشعر قط باتفاق التهدئة منذ دخوله حيز التنفيذ، فإطلاق النار يتواصل، وتحليق الطائرات لا يتوقف، ومازال عاجزاً عن العودة إلى بيته في مدينة رفح، والزوارق الحربية تنتشر في البحر، وتطلق النار على المواطنين.
بينما ما زالت المساعدات الإنسانية التي تصل إلى قطاع غزة محدودة للغاية، ولم تتجاوز حتى ثلث الرقم المتفق عليه من الشاحنات يومياً. ومازال الاحتلال يمنع دخول معدات الإيواء، والمعدات الضرورية لإزالة الركام، ويواصل احتجاز عشرات الأجهزة الطبية والتشخيصية على المعابر، ويمنع دخول الأدوية والمستهلكات الطبية بكميات كافية للمستشفيات في غزة. في حين مازال معبر رفح البري مغلقاً، في مخالفة صريحة لما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

 

جثامين شاهدة على الجرائم
سلّمت قوات الاحتلال يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين جثامين 45 شهيداً من قطاع غزة، وجرى نقلهم إلى مجمع ناصر الطبي في محافظة خان يونس، بوساطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ووصلت الجثامين عبر شاحنات خاصة، وعند المعاينة الأولى للجثامين اكتشف الفريق الطبي تعرض أصحابها لجرائم وتنكيل غير مسبوق من قوات الاحتلال.
وبدأت الطواقم الطبية المختصة، بالتعاون مع الجهات الفلسطينية، بعمليات الفحص والتحقق من هويات الجثامين، قبل إتمام مراسم الدفن، في حين ذكر مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة، أن الجهات المختصة ستجري إجراءات التعرف عليهم قبل دفنهم.
وأشارت مصادر طبية في مستشفى ناصر إلى أن جثامين بعض الشهداء الذين سلمهم الاحتلال كانت معصوبة الأيدي والأعين، ما يُشير بشكل واضح إلى أنه جرى اعتقالهم أحياء ثم إعدامهم ميدانياً.
كما أكدت المصادر ذاتها أن آثار جنازير دبابات ظهرت على أجساد شهداء في غزة ويرجح أن بعضهم قتلوا دهساً بآليات الاحتلال، مشيرة إلى أن هناك جثامين مشوهة، ويصعب التعرف عليها، ولم يقدم الاحتلال أي معلومات عنها، من أجل استكمال إجراءات التعرف على أصحابها.
ولا يُعرف إذا كان من ضمن الجثامين مقاتلون من حركة "حماس"، ممن كانوا دخلوا إلى غلاف غزة في السابع من تشرين الأول 2023.
ووفق العديد من المصادر، فإن نحو 1000 مدني فُقدوا داخل السياج الفاصل يوم السابع من تشرين الأول العام 2023، معظمهم دخلوا للفرجة وبدافع الفضول، وتعرضوا للحصار هناك، قبل أن يُعلن أنهم مفقودون، دون توفر أي معلومات عنهم.
وناشد ذوو المفقودين داخل الخط الأخضر الجهات المعنية، العمل من أجل استعادة كافة الجثامين التي تحتجزها قوات الاحتلال، مع إعطاء معلومات عنهم، تساعد في التعرف على هوياتهم.
وينص الاتفاق على تسليم جثامين 15 شهيداً فلسطينياً مقابل كل جثمان إسرائيلي يُسلّم من قطاع غزة.
واحتجزت سلطات الاحتلال خلال العامين الماضيين مئات جثامين الشهداء، بما في ذلك جثامين أسرى أعدمتهم في سجونها تحت التعذيب، وأخفت مصيرهم.
وسبق أن سلّمت سلطات الاحتلال جثامين مئات الشهداء في أكثر من عملية منفصلة، وكانت معظم الجثامين متحللة، وبعضها عبارة عن رفات، وجرى دفنهم دون التعرف على غالبيتهم.

 

آفات وقوارض
ما زال النازحون القاطنون في الخيام يعانون سلسلة من المشكلات التي أرهقتهم خلال الفترة الماضية، لاسيما الحشرات والقوارض، وغيرها من الآفات الضارة.
وذكر نازحون أن هناك حشرات تتوالد في خيامهم، وتلحق الضرر بهم، منها البعوض، والذباب، والبراغيث، والأخيرة تعتبر من أكثر الحشرات إزعاجاً، بسبب لسعاتها التي تسبب الحكة المستمرة، وينتج عنها أمراض خطيرة، كون تلك الحشرة تعتبر ناقلاً للأمراض.
وقال النازح إبراهيم النحال، إنه ومنذ أن وصل إلى مواصي خان يونس نهاية آذار الماضي، والحشرات بمختلف أنواعها لا تغادر خيمته، وقد أنفق مبالغ مالية كبيرة لمكافحتها، خاصة حشرة البرغوث، التي تعيش في التراب، وتنشط خلال ساعات الليل، وتلسع أفراد أسرته وهم نيام، كما تنتشر في الخيام حشرة "أبو مقص"، وهي حشرة زاحفة عند محاولة لمسها ولو عن طريق الخطأ، تصدر رائحة نفاثة كريهة، تملأ الخيمة، وهي أيضاً مصدر إزعاج كبير.
ولفت إلى أنه يشتري المبيد ويرشه في الخيمة ومحيطها، وبعد عدة أيام يختفي أثره وتعود الحشرات وتنتشر من جديد، وهذا أرّقه وأرهقه مادياً، كما أنه يتسبب بأذى كبير لأفراد أسرته، لاسيما أن المبيدات الحشرية مواد كيميائية ضارة، ولها مخاطر مستقبلية على الصحة العامة.
وأشار إلى أنه يحاول الحفاظ على النظافة قدر الإمكان، لكنه يعيش في بؤرة ملوثة، حيث الرمل الذي يحيط بهم من كل مكان، وأكوام النفايات الصلبة بين الخيام، والأخطر من ذلك المجاري التي تتجمع وسط وخارج المخيمات، وكل هذا يساعد على انتشار الحشرات.
بينما قال المواطن سامي عبد العزيز إن القوارض، خاصة الفئران، أكبر مسبب للأذى للنازحين، لاسيما في المخيمات المكتظة، حيث تعيش هذه القوارض في جحور في الأرض، وتنشط ليلاً، وتسطو على طعامهم، خاصة الطحين، والبقوليات، إذ تقوم بثقب الأكياس، وأكل الطعام، وتلويثه.
وأوضح أنه جرّب كل أنواع المكافحة من أجل الحد من القوارض في خيمته لكن دون فائدة، فكلما اصطاد وقتل منها، زاد عددها، حتى اقتنع أن الأمر بحاجة إلى مكافحة عامة، تقوم بها جهة حكومية أو بلدية، أو جهة إغاثية.
وأعرب عبد العزيز عن خشيته من أن تتحول القوارض المذكورة إلى مصدر للأوبئة والأمراض في مخيمات النازحين، لاسيما مع تزايد أعدادها وتكاثرها باستمرار.