كتب يوسف الشايب:
تحت عنوان "ثماني خطوات من الفراغ: سيرة عقرب يلهو"، وشعار "تعالوا إلى قراءة مطولة من أجل الضفة الغربية"، اعتلى خمسة وعشرون ممثلاً مسرح "فيغا" في العاصمة النرويجية، أوسلو، قبل أيام، لتقديم قراءة مُمسرحة لرواية "سيرة العقرب الذي يتصبب عرقاً" لأكرم مسلّم، بغرض التضامن مع فلسطين وتسليط الضوء على تفاقم اعتداءات الاحتلال على الفلسطينيين في الضفة الغربية خلال حرب الإبادة على غزة.
ربط العرض بين نص مسلم في الرواية حول أسود دوار "المنارة" وسط رام الله، واجتياح قوات الاحتلال للمدينة في 26 آب الماضي، وإطلاق الغاز المسيل للدموع، والرصاص الحي والمطاطي، على مقربة من "الأسود"، لجهة "إطلاق صرخة فنية تضيء على المآسي المهملة جرّاء جرائم الاحتلال والمستوطنين في الضفة الغربية"، وبما يعكس رؤية القائمين على العمل، باعتبار أن "الفن والثقافة يحملان جوهر هويتنا، من كنّا، ومن سنكون. يذكراننا بأننا بشر، أكثر من مجرد أرقام وإحصاءات وشهادات وأخبار".
أَعدّت تصوّر العرض وأخرجته فيبيكي هاربر، مترجمة الرواية للنرويجية، بالتعاون مع كيره هيلوم، وأنتجته هاربر أيضاً، مع مسرح فيغا، بالتعاون مع "ممثلون ضد الإبادة الجماعية"، فيما ذهب ريع التذاكر بالكامل لدعم عمل منظمة أطباء بلا حدود في فلسطين.
وأشار البيان المرافق للعمل: في ظل الإبادة الجماعية في غزة، استمرت الاجتياحات الأسبوعية في الضفة الغربية بعيداً عن أنظار العالم، فمنذ تشرين الأول (أكتوبر) 2023، قُتل أكثر من 900 فلسطيني، من بينهم 181 طفلاً في الضفة، في حين أن الحياة اليومية مشلولة بسبب تزايد الحواجز العسكرية، وتصاعد هجمات المستوطنين الإسرائيليين، وعمليات الإخلاء، والاعتقالات دون تهم، وهدم المنازل، في إشارة واضحة من قوة الاحتلال بأن الضم الكامل للضفة الغربية هو هدف الاحتلال التالي.
لم يكن "ثماني خطوات من الفراغ"، محض جلسة قراءة تقليدية يجلس فيها شخص ليقرأ من كتاب، بل قراءة مسرحية متكاملة، أو أداء مسرحي مُعدّ بعناية فائقة، فثمة إخراج وتصوّر فني للمخرجة فيبيكي هاربر، جرى الحديث عنه في إعلانات وتقارير حول العرض، باعتباره "مسرحة" للنص الروائي لأكرم مسلم، قُدّم برؤية إخراجية واضحة على خشبة المسرح، فلم يقرأ النصوص المختارة من الترجمة النرويجية للرواية شخص واحد، إنّما تم توزيعه على 26 ممثلاً محترفاً، ما سمح بتجسيد أصوات مختلفة: صوت الراوي، أصوات الشخصيات، وأصوات جماعية تمثل الشارع أو الضمير، كما شهد المسرح حركة مدروسة، وتفاعلاً بين الفنانين، وتغييراً في أماكن وقوفهم للتعبير عن تغيّر المشاهد أو الحالات النفسية صوتيّاً وجسديّاً، بشكل أو بآخر.
وشكلت الموسيقى الحيّة المصاحبة إضافة نوعية للعمل، فتواجد موسيقيّ بارز مثل شتير ميليتايغ ليقدم موسيقى حيّة مصاحبة للعرض نقله إلى مستوى آخر تماماً، حيث أن الموسيقى هنا ليست خلفية، بل عنصر فاعل في الدراما، تساهم في بناء الأجواء، وتصعيد التوتر، وتعميق المشاعر، تماماً كما يحدث في العروض المسرحية والسينمائية.
ولم تغب العناصر البصرية (السينوغرافيا) عن العرض الأدائي للقراءات، حيث لوحظ استخدام شاشة العرض لتقديم مواد بصرية، ما حول خشبة المسرح الفارغة إلى فضاء متعدد الأبعاد يمتزج فيه النص الأدبي بالتوثيق البصري.
شارك في الأداء المسرحي أو "مسرحة" القراءات، الفنانون: بترونيلا باركر، بنيامين لوني-روسلر، لينا كريستين إلينغسن، يانا هيلتبرغ، إيلدار سكار، تيري سكونسينغ ناودير، إيني ماري فيلمان، هانا ديسرود، ترينه فيغن، هوكون رامستاد، جيسله هاس، يوهانس يونر، تيا باي، ساراكا غاوب، سارة خورامي، كيره هيلوم، هنرييت بلاكستاد، تورمود فوغلستاد، جيرترود ينغه، هانا شيله رايتان، آنا لادغارد، أليشا زيولكو، يوني دار، أيندرايده آيدسفولد، يولي ستوب هوسبي، يان غونار رويزه.
جدير بالإشارة أن المترجمة والمخرجة النرويجية فيبيكي هاربر، فنانة مفاهيمية يمتد عملها ليشمل الأداء، والتدخلات الفنية، والمسرح، والنص، والترجمة، وأقامت في فلسطين فترات متفرقة منذ العام 2008، بحيث عاشت تجارب لطالما أكدت أنها شكلت حياتها وعملها بعمق، وقد قامت منذ خريف العام 2023، من بين مشاريع أخرى، وبالتعاون مع مسرح "فيغا" أيضاً، بتنظيم "وقفة سنوية من أجل غزة".