بقلم: عاموس هرئيل
من المرجح أن ما سيبقى في ذاكرتنا من يوم الاثنين الماضي سلسلة من الصور لعائلات المخطوفين الذين عادوا إلى ديارهم، إلى جانب تبلوُر نهاية الحرب على غزة. ويمكن القول، إن 20 عائلة من عائلات المخطوفين الأحياء بدأت الآن بالتنفس مجدداً، بعد أن عاد الجميع إلى بيوتهم. كذلك أعيدت توابيت تحتوي على جثث قتلى، لكن لم يكتمل العدد، فما زالت هناك جثث لم تُستعَد.
تجد حركة حماس صعوبة في العثور على بعض الجثث، وبالنسبة إلى آخرين، من المرجح أنها تستخدم هذه الجثث وسيلة لحرب نفسية، لكن إسرائيل، بمساعدة الوسطاء، ستمارس عليها ضغطاً شديداً لإعادة مزيد من الجثث، وأعلنت، الثلاثاء، فعلاً أن معبر رفح سيبقى مغلقاً. ومع ذلك، من المحتمل أن تبقى هناك حالات في نطاق اللغز غير المحسوم لفترة طويلة. لذلك كانت اللفتة الغبية من رئيس الكنيست، أمير أوحانا، الذي نزع، بحركة مسرحية، دبوس المخطوفين من سترته في أثناء المراسم في مبنى الكنيست، عملاً غير مسؤول أيضاً. أمّا المديح المفرط الذي أغدقه على رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، وعلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، فلم يكن أسوأ ما في خطابه الطويل.
أمّا نتنياهو، فبعد أن جرب جميع الخيارات الأُخرى، وصل في النهاية إلى الخيار الصحيح، تحت ضغط شديد من ترامب. أوضح رئيس الولايات المتحدة أين نقف الآن في أحاديثه مع الصحافيين على متن طائرته في طريقه إلى هنا، ولاحقاً في الخطاب الطويل والارتجالي الذي ألقاه في الكنيست. فمن وجهة نظر ترامب انتهت الحرب، وانتصرت فيها إسرائيل، والآن، يجب التقدم نحو جني الثمار: اتفاقيات تطبيع مع دول عربية إضافية في المنطقة، وربما مع دول إسلامية أبعد (تتقدمها إندونيسيا)، وفرص اقتصادية غير محدودة.
كذلك أوضح ترامب أمرَين آخرَين: المودة والتقدير الشخصي اللذين يعبّر عنهما تجاه نتنياهو، ودعمه غير المشروط لإسرائيل. فبعد الضربة التي وجّهتها «حماس» في السابع من تشرين الأول 2023، وبعد حرب طويلة ومرهقة، يُعتبر الدعم الأميركي بالغ الأهمية للمكانة الدولية والإقليمية لإسرائيل.
كالمعتاد، تعتمد المتابعة على مدى تركيز ترامب على الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، فهو كثيراً ما يركز على قضايا أُخرى في جدول أعماله، مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتنافس على النفوذ بين الولايات المتحدة والصين، والصراعات الداخلية مع الحزب الديمقراطي. لكن ربما مشاعر الحرمان التي تنتاب الرئيس، بعد أن تجاوزته لجنة جائزة نوبل للسلام هذا العام، ستعزز دافعه إلى عرض إنجازات لا يمكن التشكيك فيها مع اقتراب العام المقبل.
لمدة ساعة واحدة فقط، بدا الأفق السياسي الذي ينتظر إسرائيل واعداً أكثر مما كنا نظن. لقد حاول ترامب ضم نتنياهو إلى المؤتمر الإقليمي في شرم الشيخ، بل إنه توسّط لإجراء مكالمة هاتفية، قد تكون الأولى منذ اندلاع الحرب، بين نتنياهو والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي. وفي الوقت ذاته، أفيدَ بأن رئيس إندونيسيا كان من المفترض أن يزور البلاد، لأول مرة، لكن الفرحة كانت مبكرة أكثر من اللازم، فتلاشت الخطتان معاً. ألغى الإندونيسيون الزيارة، غضباً من تسريب الخبر مسبقاً، ويبدو أن مصدره كان المستوى السياسي في إسرائيل، أمّا نتنياهو، فتخلى عن الرحلة إلى شرم الشيخ، بحجة «قدسية العيد»، وهي عقبة كان يمكن تجاوُزها لو أراد ذلك فعلاً.
ساد الأوساط السياسية الشك في أن نتنياهو يخشى من مواجهة الجناح اليميني المتطرف في حكومته، الذي ما زال متمسكاً بمقاعده على الرغم من معارضته الصفقة (ولا يخلو من الوقاحة حين يحاول أيضاً أن ينسب لنفسه فضلاً في إعادة المخطوفين)، لكن من المحتمل وجود تفسير آخر، إذ أفادت وسائل إعلام عربية بأن الرئيسين التركي والعراقي هددا بإلغاء مشاركتهما إذا حضر نتنياهو. ويبدو أن بعض الزعماء في المنطقة يرى أن التقاط صورة مشتركة مع رئيس حكومة إسرائيل، بعد الدمار والقتل الهائلين اللذين خلّفهما الجيش الإسرائيلي في غزة، هو «جسر بعيد أكثر من اللازم». ومع ذلك، فإن معضلة رئيس الحكومة، بين الأرباح السياسية والاقتصادية التي يُفترض أنها في انتظاره، وبين إحباطات شركائه المسيانيين والحاجة إلى الحفاظ عليهم داخل ائتلافه، ستظل ترافقه في الأشهر المقبلة. لقد تعلمنا في الأسابيع الأخيرة أن كل شيء يعتمد على مدى الضغط الذي سيقرر ترامب ممارسته.
اختار رئيس الولايات المتحدة أن يكافئ نتنياهو على استجابته لمطلبه بتوقيع الصفقة من خلال فيض من المديح من منبر الكنيست، وبخطوة فظة من التدخل في النظام القضائي الإسرائيلي، توجّه مباشرةً إلى رئيس الدولة، اسحق هرتسوغ، بطلب منح العفو لرئيس الحكومة ولإعفائه من مسار قضائي طويل «بسبب بضع قطع من السيجار وزجاجات شمبانيا.» بدا نتنياهو مسروراً، أمّا الجمهور في الشرفة، وهو في معظمه من ناشطي حزب «الليكود» وأصحاب المصالح، فخرج عن طوره بفعل الحماسة. لقد أقرّ ترامب بأن الخطوة كانت مخططاً لها مسبقاً، بناءً على طلب نتنياهو نفسه، وجاءت توجّهاً نحو الانتخابات.
وكعادته، لم يستغل نتنياهو الفرصة الاحتفالية ليبدي ذرة ندم، أو تحمّل المسؤولية عن أحداث السابع من تشرين الأول 2023، إذ قُتل وقُضيَ على نحو 2000 إسرائيلي في ولايته، واختُطف نحو 250، لكن في نظر رئيس الحكومة ومؤيديه، هو مسؤول فقط عن النجاحات، في لبنان، وفي إيران، وفي سورية، وفي العملية التي لم تكتمل بعد في غزة.
في قطاع غزة، ما زالت هناك علامات استفهام مقلقة كثيرة، أولها يتعلق بإعادة جثث القتلى، ثم بطريقة الترتيب الإداري الذي سيشكَّل هناك، بإبعاد حركة حماس عن موقع التأثير، والدور الذي سيُمنح للسلطة الفلسطينية. إن النجاح في غزة، الذي يجب أن يشمل اعترافاً معيناً بمكانة السلطة، يمكنه فعلاً تمهيد الطريق لخطوات سياسية إيجابية وبعيدة المدى في الشرق الأوسط. لكن، لكي يحدث ذلك، سيتعين على إسرائيل أن تفعل أمرين غير مألوفَين بالنسبة إليها: أولاً، أن تبدي مرونةً، وأن تتحمل المخاطر في القناة السياسية. وثانياً، أن تحذّر من العودة إلى حالة «ثمالة القوة» التي تصيبها كلما تعلق الأمر بوضعها العسكري.
عن «هآرتس»