كتب خليل الشيخ:
"أبلغوني بأنه مصاب وبحال الخطر، فكرت أنو تعرض للقصف بس بعد شوي تبين أنه مطعون بسكين في منطقة البطن وحالته صعبة"، هكذا قالت "أم وسام" (40 عاماً) النازحة في مخيم الشاطئ وهي تصف نتائج شجار خاضه ابنها البكر مع عدد من أقرانه.
وأضافت: "بالأول اعتقدت أن ابني ضحية لأحد المجرمين لكنه كان طرفاً في شجار نشب بينه وبين أحد الفتية من عمره على طابور مياه".
وبينت "أم وسام" أن ابنها كان طالباً في الصف السادس قبل اندلاع العدوان وكان هادئاً وغير مثير للمشاكل، لكنه الآن شخص مختلف يقضي معظم وقته من شارع إلى آخر.
وتحدث عدد من أولياء الأمور ومواطنون حول تداعيات العدوان على غزة، والتغيّر السلبي على سلوكيات الأطفال والفتية خلال فترة النزوح والمجاعة.
وأشار المواطن سفيان (38 عاماً) الذي ينزح عند شاطئ البحر في مدينة غزة، إلى أن سلوكيات غريبة بدأت تظهر على تصرفات اثنين من اطفاله (12 و14 عاماً)، موضحاً أنهما مصابان بصدمة عصبية وأصبحا عنيفين ومثيرين للمشاكل حتى مع الجيران.
وقال: "نعيش أوضاعاً صعبة جداً، والأطفال يتأثرون بها خاصة عند إرسالهم لجلب لمياه أو الحصول على طعام، ففي معظم الحالات يعودون بمشكلة أو شجار قد تستخدم فيه أسلحة بيضاء وسكاكين".
"مرة حضر وهو يخبئ آلة حادة تحت ملابسه، وأكثر من مرة وجدتها ملفوفة بقماش أبيض ويمثل بأنه الشهيد الحي، ومستلقي على أرض الخيمة، فالمرة الأولى كانت مفاجئة ومضحكة، لكن تكرار التصرف نفسه أثار شكوكاً غريبة"، هكذا تحدث المواطن بشير حمودة (42 عاماً) النازح بمنطقة "المقوسي" في حي النصر بمدينة غزة عن سلوك ابنه نضال (13 عاماً).
وبيّن أنه أمر ابنه بعدم اصطحاب آلات حادة أو تكرار هذا السلوك، ونهاه مهدداً بإيذائه لكنه عاد ليكرره متذرعاً بأنه حتماً سيستشهد من القصف في المرات القادمة، وأنه يحاول مشاهدة ردة فعل والديه وأشقائه على ذلك.
أما الأم سماح فقالت: "ذات مرة فقدت ابني زين (12 عاماً) في منتصف الليل، وبحثت عنه في جنبات الخيمة فلم أجده، فسارعت لإيقاظ والده وباقي أشقائه للبحث عنه ليجدوه يسير بين الخيام وهو شبه نائم".
وأضاف الأم (37 عاماً) التي اشتكت من قيام بعض أبنائها بسلوكيات جديدة وغير مطمئنة، أن ابنها زين كان قد اعتدى في وقت سابق على أشقائه مستخدماً سكيناً، ويقوم بتهديدهم بين حين وآخر، مشيرة إلى أنه لم يكن يقوم بهذا السلوك قبل العدوان الإسرائيلي.
من جهته، قال المواطن باسل السحار (33 عاماً): "لم يعد غريباً أن نشاهد أطفالاً يحملون سكاكين ويشاركون في أعمال نهب أو شجارات في الشوارع دون أسباب منطقية".
وأضاف: "الطبيعي أن يكون هؤلاء على مقاعد الدراسة لا أن يكونوا في الشوارع وأمام طوابير المياه والتكايا، لكن الاحتلال لم يترك شيئاً في مجتمعنا إلا ودمره".
وذكر المحاضر في علم النفس والاجتماع بجامعة القدس، محمد حسونة، أن ما يعانيه الأطفال من أشكال الهواجس والكوابيس والسلوكيات الغريبة، ناجم عن ما يتعرضون له من اعتداءات إسرائيلية بكافة أشكالها، ومظاهر ومتغيرات مجتمعية جديدة.
وأوضح أن مشاهد السطو والنهب والشجارات العائلية، وأحياناً مظاهر العربدة من قبل العصابات، تركت آثاراً سلبية على نفوس الأطفال، وأصبح لديهم رغبة في ترجمتها، محذراً من انتشار مثل هذه التصرفات دون أية برامج تدخل مانعة ومخففة من مخاطرها.
وأكد حسونة أن "الاعتداءات الإسرائيلية تقتل المواطنين في مكان الحدث وتصيبهم وتدمر منازلهم، لكنها تصيب أيضاً غيرهم ممن يشاهدون ويتعايشون مع هذه المجازر، ويكون الأطفال أكثرهم إصابة بحالات نفسية وصدمات عصبية.