تاريخ النشر: 27 تموز 2025

فلسطين تَسطع في قصائد الأمسيات الشعرية الأولى لمهرجان جرش

 

كتبت بديعة زيدان:

 

كانت القضية الفلسطينية، وخاصة حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة، منذ ما يقارب العامين، الحاضر الأبرز في قصائد الأمسيتين الشعريتين الأولى والثانية للدورة التاسعة والثلاثين لمهرجان جرش للثقافة والفنون، في العاصمة الأردنية عمّان، وتنتظم بالتعاون مع رابطة الكتاب الأولى.
وشارك الشاعر الفلسطيني المتوكل طه في الأمسيتين، الأولى التي احتضنتها، مساء الخميس الماضي، قاعة عقل بلتجاني في مركز الحسين الثقافي، بمشاركة الشاعر السعودي محمد إبراهيم يعقوب، والشعراء الأردنيين: يوسف عبد العزيز، وتيسير الشماسين، وعلي الفاعوري، ولؤي أحمد، والثانية التي احتضنتها، مساء أول من أمس، دائرة المكتبة الوطنية، بمشاركة الشاعرة المغربية عائشة بالحاج، والشاعرين الأردنييْن: هشام عودة ورفعة يونس.
وقدم المتوكل طه من بين ما قدّمه في الأمسيتين قصائد حول حرب الإبادة في قطاع غزة، من مجموعته الشعرية الأحدث "أوديسة لغزة.. الأبجدية الحمراء" الصادرة حديثاً عن دار "الآن ناشرون وموزعون"، من بينها مقطع من قصيدة "صديقي الشاعر من غزة"، جاء فيه: "وأرى أنّ الشاعرَ لم يبرحْ غزّةَ، ظلّ المصلوب على الحَنّونِ الشائكِ، يلمحُ في موقدةِ الكلماتِ ذِئابَاً تَجأرُ، أو قلبَ قَتادٍ يحتضنُ الأطفالَ التسعةَ، وأباً يجترُّ زَفيرَ الغضبِ المكتومِ، فيحتشدُ القلبُ، ويذوي.. يسمعُ مَن نادوا، خلفِ القضبانِ أو النيرانِ.. يقولُ؛ لعلَّ الأصداءَ تدقُّ النافذةَ، فينتبهُ العَرْشُ الخَشَبيُّ، ولكنَّ خليفتَنا المشغولَ؛ سيلهثُ خلفَ القاتلِ كي يمنحَه المفتاحَ الذّهبيَ وينبوعَ الصوّانِ".
وقرأ المتوكل طه من ذات المجموعة، قصيدة "لم يتغيّر شيء في غزة"، وكان مطلعها: "ستمُرّ جنازاتٌ مُبهمة، لم يَرَها أحد، تصطحبُ عويلاً أخرس، لألوفٍ راحوا أو نزحوا.. ضجّوا في الرأس، ويمشُون على أرصفةٍ، ما عادت أرصفة، حتى غصّ المشهد بالغياب"، ليختم من القصيدة نفسها بأن "هنا غزة لا صوتَ سيُعلو، فليصمت هذا الصمتُ المشبوه، الرنّان، فغزّة، دونَ الناس، لها أن تَشْرَح، ماذا قد يعني الإنسان".
ولم تغب فلسطين وحرب الإبادة على غزة عن قصائد الشاعر الأردني فلسطيني الأصل يوسف عبد العزيز، الذي وصفها بـ"الحبيبة التي لا تزال تقاوم"، بدءاً من قصيدته "نخب هذه المجزرة"، وبدأها بصوته الجهوري: "نَخْبُ هذا الوطن المقتول، والزنزانة الكبرى، وحزن العاشقين البَرَرة.. نَخْبُ غزّة أختنا المذبوحة المُنتصرة.. نَخْبُ دير البلح الراقصِ في النار.. اشربوا الدمعَ الذي ينزفُ من قلبِ فلسطين، وقولوا عاشَ تطبيعُ العلاقات، وعاشتْ نجمةُ الدولار في ليل الصحارى المُقفِرة.. ما الذي يَمتَدُ في هذا النفق، دولةٌ أم مقبرة".
وفي قصيدة "أسئلة الشاعر"، علا صوت عبد العزيز مُستنكراً تحت وطأة علامات استفهام تبحث عن إجابات: "هذه الأرض كانت يديّ وفرّت إلى قاتلي ألف مرّة، ما الذي سوف يفعله الشعر من قصور السماء ووجع الطين؟"، قبل أن يواصل الأسئلة في قصيدته "الكراكون" شعراً: "والآن، ماذا يفعل الكراكون في هذه الظهيرة، حيث لحم الأرض يكسر حربة المُحتَل؟ أية فكرة مجنونة في رأسه ويديه؟".
وفي الإطار نفسه، قدّم الشاعر الأردني تيسير الشماسين في الأمسية الأولى قصيدة رمزية عمودية حول القضية الفلسطينية وما يعيشه المُبادون من خذلان الأنظمة العربية، وحالة الاضطهاد والخنوع التي يعيشها "شعوب الأمة"، فيما قرأ الشاعر الأردني علي الفاعوري قصائد عدّة، ختم أولها بالتساؤل شعراً: "(...) فكيف سيُقنع الكلماتِ صومي، وكلّ أصابعِ الكلماتِ جوعى؟!".
وفي الأمسية الثانية، بدأت الشاعرة المغربية عائشة بالحاج بالتأكيد على كون الشِعر فعل مقاومة، كاشفة عن أن آلام غزة تسكنها ولا تفارقها، قبل أن تقرأ عديد النصوص من مجموعتها الأحدث "ذهب أجسادهن".
أما الشاعر الأردني فلسطيني الأصل هشام عودة، فبدأ مؤكداً أن "لا قول أمام ما يعيشه أهلنا في غزة، الذين يموتون جوعاً وعطشاً، ومع ذلك سنواصل القول حتى تنتصر غزة، وننتصر معها"، مقدماً مقاطع متنوعة من قصائد حماسيّة قديمة وجديدة حول فلسطين وقضيتها، فيما قدمت الشاعرة الأردنية رفعة يونس قصيدة حول ما يحدث في فلسطين عامة، وقطاع غزة خاصة، تحت عنوان "وجع" أو كما قالت يمكن تسميتها بـ"جوع" أيضاً.
جدير بالذكر أن أمسيات مهرجان جرش للثقافة والفنون في دورته التاسعة والثلاثين، تتواصل لأكثر من أسبوع في كافة المحافظات الأردنية، بمشاركة العديد من شعراء فلسطين، والشعراء العرب من جنسيات مختلفة، والشعراء الأردنيين.