
كتبت بديعة زيدان:
تحت عنوان "حدث في الجنّة"، احتضن مسرح مركز الحسين الثقافي، في العاصمة الأردنية عمّان، مساء أول من أمس، العرض الأحدث لفرقة "عالخشب" المسرحية الأردنية.
وتتناول المسرحية، التي ألفها وأخرجها زيد خليل مصطفى، القضية الفلسطينية، عبر محطات زمنية متعددة، تمحورت حول المقاومة المستمرة في مواجهة الاحتلال المتواصل.
وعبر حكاية "وضاح"، ابن المناضل الشهيد، والذي قد يكون شهيداً، أو مفقوداً، لكنه غائب وحاضر في آن، حقيقي وشبحي في الوقت ذاته، يبدو على الأرض لكنه في الجنة، أو العكس، إلا أن الثابت هو إصراره، كرمز للشعب الفلسطيني، على إتمام ما كان بدأه والده ودفن روحه ثمناً من أجله، أي العمل على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي المتواصل لفلسطين، حتى تحرير الأرض والإنسان، وتحقيق حلم العودة إلى الديار التي هُجرّوا منها.
وتمزج "حدث في الجنّة" بين الأداء المسرحي، والرقص بتنويعاته، والموسيقى الحيّة، والغناء، على خلفية ديكور وإضاءة يحملان من التقشف ما يتناسب وطبيعة الأحداث، وأزمنتها وأمكنتها، التي يتضح من اللهجة أنها في الريف الفلسطيني.
ويأتي العرض، الذي تفاعل معه الجمهور بحماسة، كجرس إنذار يُذكّر بفلسطين، خاصة في ظل تفاقم حرب الإبادة حدّ القصف المميت تلو الآخر، وحدّ المجاعة الذي تزهق الأرواح في غزة، علاوة على التقتيل والاعتقال اليومي واعتداءات المستوطنين غير المسبوقة في وحشيتها بالضفة الغربية بما فيها القدس، التي هي "الجنّة" أيضاً، على حد توصيف مخرج العمل ومؤلفه في كتّيب العمل.
وكان العرض مباشراً أحياناً وغير مباشر أحياناً أخرى، واتكأ على التراث الفلسطيني في الأغنية وبعض الحكايات، وخاصة "ظريف الطول"، الذي هو رمز للفدائي الفلسطيني، الباقي رغم تغيّر التسميات العابرة للزمن، ولكن في إطار الجغرافيا ذاتها، يحافظ بأشكال المقاومة المتعددة، على فكرة المقاومة والصمود وتحدي الاحتلال، بما في ذلك الفنون، فاللحن بوصلة، والصوت الصادح بأغنياتنا المستعصية على السرقة، فعل مقاومة، كما أكدت شخصيات المسرحية.
وشارك في العمل نخبة من الفنانين الأردنيين: خليل مصطفى، وخليل شحادة، ونهى سمارة، وسارة سمارة التي شاركت في التأليف أيضاً، وباسم الحمصي، ونادين خوري، ودانيا زعتر، وصلاح الدين عيسى، وغيرهم.
وأشار زيد خليل مصطفى، مؤلف العمل ومخرجه في حديث لـ"الأيام" إلى أن القضية الفلسطينية، وهي قضيّتنا الأم كعرب، أزيحت عن محوريتها، خاصة بعد أحداث ما عرف بـ"الربيع العربي" منذ العام 2011، وهو ما بات يستوجب من كل مبدع إعادة البوصلة إليها عبر منجزه الفني والثقافي.
ولفت مصطفى إلى أن الفكرة من "حدث في الجنة" تقديم فلسطين على المسرح كـ"جزء من موقفنا كفنانين أردنيّين"، ومن هنا بدأنا بالبحث عن حكاية يشتبك فيها الاجتماعي بالسياسي، بعيداً عن تقديم فلسطين ومقاومة أهلها بشكل شعاراتي، فكان المكان ذلك "الحوش في بيت فلسطيني تسكنه أربع نساء، يعانين من حالة الفقد للرجل المناضل في حيواتهن، والذي يمثل السند، والأب والابن والأخ والزوج، وكيف يعشن معه تفاصيل وجوده، رغم استشهاده، وكأنه بينهن، والتي عبّرت عنه كل منهن بطريقتها الخاصة، تبعاً لعلاقتها مع هذا الوضاح"، مشدداً على الدور التنويري للمسرح، ولكونه منبراً للوعي، ما يؤدي لتحفيز فكر الجمهور إزاء فكرة العرض المسرحي.
وكشف مصطفى أن العمل أنتج بداية بدعم من وزارة الثقافة الأردنية في العام 2021، لكنه توقف إلى أن قررت الفرقة إعادة إنتاجه في هذه الفترة، فبدأ التدريب على نسخته الجديدة في صيف العام الماضي.
واستعادت الفنانة نهى سمارة، وقدمت شخصية "زينب" زوجة المناضل "وضاح" في المسرحية، في حديثها إلى "الأيام"، عبارة في مسرحية سابقة لها مفادها أن الثورة في رؤوس الناس أبدى منها في شوارع مرصوفة للموت، مشددةً على أن هكذا أعمال من شأنها المساهمة في تغيير تفكير الجمهور نحو الأفضل في القضايا التي تمسّه.
وتمثل "زينب" الجانب الثوري في مسرحية "حدث في الجنّة"، حسب سمارة، كما المرأة الفلسطينية التي تتسلح بالأمل دوماً، مؤكدة أنها شخصية تشبهها، لكون الأمل الذي تحمله الفلسطينية داخلها، وتورثه لأبنائها وأحفادها، لا تحمله أي امرأة أخرى، رغم ظروفها المأساوية منذ سبعة وسبعين عاماً.
ومع تأكيدها أن شخصية "زينب" لا تزال تتلبسها، وإلى أن هذا العمل هو "افضل" ما قدّمته في مشوارها الفني، لفتت سمارة إلى أن إنتاجه استغرق فترة طويلة من التحضيرات حتى تقديمه على خشبة المسرح.
وتأسست فرقة "عالخشب" في العام 2015، وحملت اسم عرض من عروضها، وتقوم فلسفتها باعتبار المسرح "مشروع حياة"، فيما يقوم مشروعها الفني على البحث في جدلية العلاقة بين المسرح والجمهور، لجهة "تقديم مسرح للناس".