
كتب يوسف الشايب:
هي عمل مسرح سياسي رمزي ساخر، والحديث عن "العاصفة" من سلطنة عُمان، من إخراج وسينوغرافيا علي الشنقري، وتأليف د. عماد الشنقري، وعرضت على خشبة مركز الحسين الثقافي، ضمن فعاليات مهرجان ليالي المسرح الحر الدولي، في العاصمة الأردنية عمّان.
تدور أحداث المسرحية، التي تحمل دلالات عميقة ورمزيات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وغيرها، حول عاملين في مخيطة يشعران بالملل من روتين حياتهما، خاصة بعد افتقارهما للمياه والكهرباء ووسائل الاتصال بالعالم الخارجي، فيقرران الهروب من الواقع بتخيل نفسيهما قبطاناً ومساعداً له في سفينة تحمل ركاباً مقسمين إلى طبقات اجتماعية، ليسوا سوى دمى "المانيكان" المكدسة لديهما.
وفيما تواجه السفينة عاصفة هوجاء، يكتشف الربان أن احتياطاته محض وهم، وأن الركاب من الطبقات الدنيا هم الضحايا الأوائل، ما يؤدي إلى تصاعد الصراع ما بينه وبين مساعده، الذي يقترح التخلص من بعض الركاب لإنقاذ السفينة، لكن الأول يرفض ذلك.
وتتطرق المسرحية من بين ما تتناوله، إلى الفساد السياسي والاجتماعي والطبقية، عبر رؤية رمزية لأضاع العامة في ظل الأنظمة الفاسدة، والمواطنة المفقودة، بحيث تبدو عبر ما قدمته المسرحية، سرابيّة، وهو ما انعكس في مقولة المساعد: "لا توجد قوارب نجاة حقيقية بل هي جزء من الديكور"، علاوة على كونه "يُحرّض" على الثورة، بشكل أو بآخر، أو بمعنى أدق على الاستيقاظ من السبات العميق، بحيث تحمل "العاصفة" رسائل ضمنية حول معاناة المجتمعات العربية، واحتجاجها المُلّح إلى "الصحوة".
وتتآلف عدة أنواع من المسرح في العمل، ما يعكس طبيعتها المركبة والمُفمعة بالدلالات، كالمسرح الرمزي، والمسرح السياسي، والمسرح الاجتماعي، وبدرجة ما مسرح العبث، ليس بعيداً عن المسرح الساخر والكوميديا السوداء.
والكوميديا، التي هي محورية في "العاصفة" ليست مجرد وسيلة للضحك، بل هي أداة فنية محورية لتمرير رسائل عميقة بطريقة جاذبة ومؤثرة، تتسلل بوعي ودون عناء لتسكن دواخل المُتلقين، فتحفزهم على التفكير العميق في ما يُطرح، دون أن تفارقهم في أحايين عدة ابتسامة عريضة أو حتى قهقهات، في دمج بين أشكال متعددة من الكوميديا، السوداء منها، والساخرة، وكوميديا الموقف، وكوميديا الشخصيات، ولكل منها حضورها الواضح عبر الشخصيتين المحوريّتين للخياط ومساعدة، أو القبطان المتخيّل ومساعده، لجهة انتقاد الممارسات السلطوية، أو محاولة الهروب من الواقع المأساوي للشعوب، أو الفساد، والطبقية، وغيرها، ما يخفف من حدّة الطرح، ويقدمها على طبق أشبه بالحلوى العُمانية الشهيرة.
تتشابك تأويلات مسرحية "العاصفة" وتتكامل لتقديم عمل فني عميق ومثير للتفكير، فهي لا تقدم قصة متخيلة عن سفينة تغرق أو لا تغرق، بل هي رؤية رمزية لتحديات الأوطان والمجتمعات في مواجهة الأزمات ومسبّبيها، ما يعكس عمقاً رمزياً متعدد الأبعاد، فالسفينة ترمز للوطن، والقبطان ومساعده للسلطات الحاكمة، والركاب وتقسيمهم إلى الطبقية، والمخيطة للحياة المملة الرتيبة، والعاصمة للأزمات الوجودية الجوّانية والبرّانية، كما تعرض كيف يمكن أن يحدث انقلاب في الوعي
ورغم الإفراط في الترميز أحياناً، والتكرار في بعض الأفكار أو المشاهد، و"النهاية السعيدة"، التي لا تتناسب وطبيعة الواقع القاسي، الذي هو محور العمل، تتميز "العاصفة" بنجاحها في المراوحة بين التمثيل والواقع، رغم امتزاج الزيف بالحقيقة، حتى أن الاثنين (الخياط ومساعده أو القبطان ومساعده)، يصنعان عالمهما الافتراضي ويعيشان تفاصيله حتى يكادا يتلاشيان داخله، كما تميّزت المسرحية بتآلف جيّد لعناصرها الفنية، بحيث يدعم كل منها الآخر، لجهة تقديم رسالة مؤثرة حول الواقع المعاصر.